الغالب في لفظ [ الرؤيا ] أن تكون منامية وإذا كانت بالعين يقال :[ رؤية ] بالتاء، وقوله تعالى :[ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ] جاءت على غير الغالب، لأن المراد بها الرؤية البصرية التي رأها رسول الله (ص) فى الإسراء والمعراج، وقد تقدم قول ابن عباس :(هي رؤيا عين اُريها رسول الله (ص) ليلة أسري به كما في البخاري، ولو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة للناس، ولما ارتد بعضهم عن الإسلام، فتنبه لهذا فإنه هام.
قال الله تعالى :[ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر.. ] إلى قوله [ فأبى أكثر الناس إلا كفورا ]. من آية ( ٧٠) إلى نهآية آية (٨٩)
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما امتن به على الناس من تسيير السفن في البحر، ومن تنجيتهم من الغرق، تتم ذكر المنة بما أنعم به على النوع الإنساني من تكرمتهم، ورزقهم، وتفضيلهم على سائر المخلوقات، ثم ذكر أحوال الناس ودرجأتهم في الآخرة، ثم حذر الرسول (ص) من اتباع أهوا ء المشركين.
اللغة :
[ بإمامهم ] الإمام في اللغة : كل من يأتم به غيره، سواء كان على هدى أو ضلال، ويطلق الإمام على كتاب الأعمال لأن الإنسان يكون تابعا لكتاب أعماله، يقوده إلى الجنة أو النار
[ فتيلا ] الفتيل : القشرة التي في شق النواة، ويضرب مثلا للشيء الحقير التافه، ومثله القطمير والنقير
[ تركن ] تميل
[ ليستفزونك ] الإستفزاز : الإزعاج بسبب من الأسباب للحمل على الخروج من الوطن وغيره
[ وتحويلا ] تغييرا وتبديلا
[ لدلوك ] الدلوك : الغروب يقال دلكت الشمس أى غابت، قال أبو عبيد وابن قتيبة : الدلوك الغروب وأنشد لذي الرومة : مصابيحُ ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك وقال الأزهري : أصل الدلوك الميل يقال : مالت الشمس للزوال، ومالت للغروب
[ غسق ] غسَقُ الليل : سواده وظلمته يقال : غسق الليل إذا اشتدت ظلمته
[ فتهجد ] التهجد : صلاة الليل بعد الاستيقاظ من النوم، والهجودُ : النوم، قال الشاعر : ألا طرقتنا والرًفَاقُ هُجُود فباتت بعَلاتِ آلنوَال تَجُود
[ زهق ] زال وبطل
[ نأى ] تباعد، والنأى : ا لبُعد
[ ظهيرا ] مُعينا ونَصيا
سبب النزول :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل ! فقالوا : سلوه عن الروح فأنزل الله [ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي.. ] الآية.
التفسير :
[ ولقد كرمنا بني آدم ] أى لقد شرفنا ذرية آدم على جميع المخلوقات، بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع ما في الكون لهم
[ وحملناهم في البر والبحر ] أى وحملناهم على ظهور الدواب والسفن
[ ورزقناهم من الطيبات ] أى من لذيذ المطاعم والمشارب، قال مقاتل : السمن والعسل والزبد والتمر والحلوى، وجعلنا رزق الحيوان التبن والعظام وغيرها
[ وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ] أى وفضلناهم على جميع من خلقنا من سائر الحيوانات، وأصناف المخلوقات من الجن والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك
[ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ] أى اذكر يوم الحشر، حين ننادي كل إنسان بكتاب عمله ليسلم له وينال جزاءه، و " الإمامُ " الكتاب الذي سجل فيه عمل الإنسان، ويقويه قوله تعالى :[ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ] قال ابن عباس : الإمام ما عُمل وآُملي فكتب عليه، فمن بُعث متقيا لله جُعل كتابُه بيمينه فقرآه واستبشر
[ فمن أوتي كتابه بيمينه ] أى فمن أُعطي كتاب عمله بيمينه، وهم السعداء أولو البصائر والنهى المتقون لله
[ فأولئك يقرءون كتابهم ] أى يقرءون حسناتهم بفرح واستبشار، لأنهم أخذوا كتبهم بأيمانهم
[ ولا يظلمون فتيلا ] أى ولا ينقصون من أجور أعمالهم شيئا، ولو كان بمقدار الفتيل وهوالخيط الذي في شق النواة