[ إن قرآن الفجر كان مشهودا ] أى تشهده ملائكة الليل والنهار، كما جاء في الحديث الصحيح (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر ) الحديث أخرجه البخاري، قال المفسرون : في الآية الكريمة إشارة إلى الصلوات لمفروضة، فدلوكُ الشمس زوالُها وهو إشارة إلى (الظهر والعصر)، وغَسَق الليل ظلمتُه وهو إشارة إلى (المغرب والعشاء)، وقرآن الفجر (صلاة الفجر)، فالآية رمزْ إلى الصلوات الخمس (( قال القرطبي : وهذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة بإجماع من المفسرين ))
[ ومن الليل فتهجد به نافلة لك ] أى وقم من الليل بعد النوم متهجدا لربك بالصلاة وتلاوة القرآن، زيادة وتطوعا لك
[ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ] أى لعل ربك يقيمك يوم القيامة مقاما محمودا، يحمدك فيه الأولون والآخرون، وهو مقام (الشفاعة العظمى)، قال المفسرون : و[ عسى ] في كلام الله للتحقيق، لأنه وعد كريم وهو لا يتخلف ولهذا، قال ابن عباس :" عسى " من الله واجبة أى تفيد القطع
[ وقل رب أدخلني مدخل صدق ] أى قل يا رب أدخلني قبري مُدخل صدق، أى إدخالا حسنا
[ وأخرجني مخرج صدق ] أى أخرجني من قبرى عند البعث إخراجا حسنا، هذا قول ابن عباس، وقال الحسن والضحاك : المراد دخوله (المدينة المنورة) وخروجه من (مكة المكرمة) وذلك حين أخرجه المشركون، بعد أن تأمروا على قتله (ص) فى دار الندوة
[ واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ] أى اجعل لي من عندك قوة ومَنَعة، تنصرني بها على أعدائك، وتُعز بها دينك، وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلا دينه على سائر الأديان
[ وقل جاء الحق وزهق الباطل ] أى سطع نور الحق وضياوه، وهو (الإسلام ) وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادةُ الأصنام، فلا شرك ولا وثنية بعد إشراق نور الإيمان
[ إن الباطل كان زهوقا ] أى إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت، لأنه يضمحل ويتلاشى، لأن كانت له صولة وجولة، فإنه سرعان ما يزول، كشعلة الهشعيم ترتفع عاليا ثم تخبو سريعا، روي أن النبي (ص) لما دخل مكة (عام الفتح ) كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول :[ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ] فما بقي منها صنم إلا خر لوجهه، ثم أمر بها فكسرت
[ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ] أى وتنزل من آيات القرآن العظيم، ما يشفي القلوب من أمراض الجهل والضلال، ويُذهب صدأ النفس من الهوى والدنس، والشح والحسد، وما هو رحمة للمؤمنين، بما فيه من الإيمان، والحكمة، والخير المبين
[ ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ] أى ولا يزيد هذا القرآن الكافرين، عند سماعه إلا هلاكى ودمارا، لأنهم لا يصدقون به فيزدادون كفرا وضلالا
[ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ] أى وإذا أنعمنا على الإنسان بأنواع النعم : من (صحة، وأمن، وغنى )، أعرض عن طاعة الله وعبادته، وابتعد عن ربه غرورا وكبرا
[ وإذا مسه الشر كان يئوسا ] أى وإذا أصابته الشدائد والمصائب، أصبح يائسا قانطا من رحمة الله، والآية تمثيل لطغيان الإنسان، فإن أصابته النعمة بطر وتكبر، وإن أصابته الشدة أيس وقنط، كقوله سبحانه :[ ان الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، واذا مسه الخير منوعا ]
[ قل كل يعمل على شاكلته ] أى كل واحد يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال، فإن كانت نفس الإنسان مشرقة صافية، صدرت عنه أفعال كريمة فاضلة، وإن كانت نفسه فاجرة كافرة، صدرت عنه أفعال سيئة شريرة
[ فربكم أعلم بمن هوى أهدى سبيلا ] أى ربكم أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وبمن ضل عنه، وسيجزي كل عامل بعمله


الصفحة التالية
Icon