[ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى ] أى يسألك يا محمد الكفار عن الروح ما هي ؟ وما حقيقتها ؟ فقل لهم إنها من الأسرار الخفية، التي لا يعلمها إلا رب البرية
[ وما أوتيتم من العلم الا قليلا ] أى وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئا قليلا، لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم الله
[ ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ] أى لو أردنا لمحونا هذا القرآن، الذي هو منةُ الرحمن من صدرك يا محمد، فإن ذلك في قدرتنا
[ ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ] أى لا تجد من يتوكل علينا باسترداده، ورده إليك بعد ذهابه
[ إلا رحمة من ربك ] أى لكن رحمة من ربك تركناه محفوظا في صدرك وصدر أصحابك
[ إن فضله كان عليك كبيرا ] أى فضل الله عليك عظيم، حيث أنزل عليك القرآن، وأعطاك المقام المحمود " وجعلك خاتم المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، والمقصود بالآية الامتنان على الرسول بالقرآن، والتحذير له عن التفريط فيه، والخطاب له عليه السلام والمراد أمته
[ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ] أى لو اتفق واجتمع أرباب الفصاحة والبيان من الإنس والجان، وأرادوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لما أطاقوا ذلك، ولو تعاونوا وتساعدوا على ذلك جميعا، فإن هذا أمر لا يستطاع وليس بمقدور أحد
[ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ] أى بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحقً بالآيات والعِبَر، والترغيب والترهيب
[ فأبى أكثر الناس الا كفوراً ] أى ومع البراهين القائمة، والحجج الواضحة، أبى أكثر الناس إلا جحودا للحق " وتكذيبا لله ورسوله، وهذا غاية الضلال.
البلاغة :
تضمت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي :
١ - الاستعارة [ كل أناس بإمامهم ] الإمام الذي يتقدم الناس في الصلاة وقد استعير هنا لكتاب الأعمال، لأنه يرافق الإنسان ويتقدمه يوم القيامة.
٢ - الاستعارة التمثيلية [ ولا يظلمون فتيلا ] يضرب مثلا للقلة أى لا ينقصون من ثواب أجورهم ولا بمقدار الخيط الذي في شق النواة.
٣ - الطباق بين [ ضعف الحياة وضعف الممات ].
٤ - المجاز المرسل [ وقرآن الفجر ] أطلق الجزء على الكل أى قراءة الفجر والمراد بها الصلاة، لأن القراءة جزء منها، فالعلاقة في هذا المجاز الجزئية.
٥ - الإظهار في مقام الإضمار لمزيد الاهتمام والعناية [ إن قرآن الفجر كان مشهودا ] بعد قوله :[ وقرآن الفجر ].
٦ - التفصيل بعد الإجمال [ فمن أوتي كتابه بيمينه.. ومن كان في هده أعمى ] بعد ذكر كتاب الأعمال.
٧ - المقابلة اللطيفة بين [ أدخلني مُدخل صدق ] [ وأخرجني مخرج صدق ] وبين [ جاء الحق ] [ وزهق الباطل ].
٨-إسناد الخيرإلى الله والشر لغيره [ أنعمنا على الإنسان.. وإذا مسه الشر ] لتعليم الأدب مع الله تعالى.
لطيفة :
ذكر أن شخصا ممن ينكر المجاز والاستعارة في القرآن الكريم جاء إلى شيخِ فاضل عالم، منكراً عليه دعوى المجاز - وكان ذلك السائل المنكر أعمى - فقال له الشيخ ما تقول في قوله تعالى :[ ومن كان قي هده أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ] هل المراد بالعمى الحقيقة وهو " عمى البصر "، أم المرآد به المجاز " عمى البصيرة " ؟ فبهت السائل وانقطعت حجته.
قال الله تعالى :[ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً.. ] إلى قوله [ ولم يكن له ولي من الذل وكفره تكبيرا ]. من آية ( ٩٠) إلى آية ( ١١١ ) نهاية السورة الكريمة
المناسبة :