لما ذكر تعالى القرآن ومما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة على صدق النبى الأمي، وتحداهم فظهر عجزهم بوضوح إعجازه، ذكر هنا نماذج عن تعنت الكفار وضلالهم باقتراح خوارق مادية غير القرآن العظيم، ثم ذكر قصة موسى، وتكذيب فرعون له، مع كثرة الخوارق والمعجزات التي ظهرت على يديه، تسلية لرسول الله (ص) عن تكذيب المشركين، ثم ختم السورة الكريمة بدلائل القدرة والوحدانية.
اللغه :
[ كسفا ] أى قِطَعآ جمع كسفة كدمنة ودمن يقال : كسفتُ الثوبَ أكسِفُه كِسَفا إذا قطعته قطعا، قال الفراء : سمعت أعرابيا يقول للبزاز : أعطني كِسفةً يريد قطعة
[ قبيلا ] معاينة
[ ترقى ] تصعد
[ خبت ] خبت النار : سكنَ لهبها، وخمدت : سكن جمرها، وهَمَدت : طفئت جملة
[ قتورأ ] بخيلا
[ مثبورا ] الثبور : الهلاك يقال : ثَبَر الله العدو أهلكه
[ لفيفا ] اللفيف : الجمع من القوم من أخلاطِ شتى، قال الجوهري : اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال : جاء القوم بلَفهم ولفيفهم
[ مكث ] المكث : التطاول في المدة يقال مكَثَ إذا أطال الإقامة
[ تخافت ] خافت في آلكلام أسَره بحيث لا يكاد يسمع أحد
[ الأذقان ] جمع ذَقَن وهو مجتمع اللحيَين، قال الشاعر : فخزوا لأذقانِ الوجوه تنوشُهم سباع من الطير العوادي وتنتف
سبب النزول :
١ - عن ابن عباس ان رؤساء قريش اجتمعوا عند الكعبة فقالوا : ابعثوا إلى محمد فكذموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه إنْ أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، فجاءهم (ص) سريعا - وكان حريصا على رشدهم - فقالوا يا محمد : إنا والله لا نعلم رجلا من العرب، أدخلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك، لقد شتمت آلاَباء، وعبتَ آلدين، وسفهتَ الأحلام، وفرقت الجماعة، فإن كنتَ إنما جئت بهذا لتطلب مالا جعلنا لك من اموالنا ما تكون به أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب الشرَف فينا سودناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئيا - أى تابعاً من الجن - بذلنا أموالنا في طلب الطِب حتى نبر لك منه أو نُعذَر فيك، فقال رسول الله (ص) : ما بي ما تقولون، ما جئتكم أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا المُلك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وان تردوه على أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم، فقالوا : يا محمد إن كنت غيرقابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيقَ بلادآً، ولا أشد عيشا منا، فسل ربك يُسير لنا هذه الجبال، ويجري لنا أنهاراً، ويبعث من مضى من آبائنا، حتى نسألهم أحق ما تقول ؟ وسله أن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك عنا فأنزل الله [ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا.. ] الآية.
٢ - وعن آبن عباس قال :(كان رسول الله (ص) مختبي بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله ومن جاء به )، فقال الله عز وجل لنبيه [ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ].
التفسير :
[ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ] لما تبين إعجاز القرآن، ولزمتهم الحجة وغلبوا، أخذوا يتعللون باقتراح الآيات والخوارق، والمعنى : قال المشركون : لن نصدقك يا محمد، حتى تشقق لنا من أرض مكة عيناَ غزيرة، لا ينقطع منها الماء
[ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب ] أى يكون لك بستان فيه أنواع النخيل والأعناب
[ فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ] أى تجعل الأنهار تتفجر فيها وتسير وسطها بقوة وغزارة


الصفحة التالية
Icon