[ أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ] أى أولم ير هؤلاء المشركون أن الله العظيم الجليل، الذي خلق هذا الكون الهائل بسمواته وأرضه، قادر على إعادة جسد الإنسان بعد فنائه ؟ فإن القادر على الإحياء، قادر على الإعادة بطريق الأحرى، قال في البحر : نبههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته بقوله :[ أولم يروا ] وهو استفهام إنكار وتوبيخ على استبعادهم الإعادة، واحتجاج عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم، ثم ينكرون إعادة الله لهم
[ وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ] أى جعل لهؤلاء المشركين موعدا محددا لموتهم وبعثِهم، لاشك ولا ريب في مجيئه
[ فأبى الظالمون إلا كفورا ] أى أبى هؤلاء الكافرون الظالمون - مع وضوح الحق وسطوعه - إلا جحودا وتماديا في الكفر والضلال
[ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ] أى قل يا أيها الرسول لهؤلاء المعاندين المكابرين، المقترحين للخوارق والمعجزات : لو كنتم تملكون خزائن رزق الله، ونعَمه التي أفاضها على العباد
[ إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ] أى إذا لبخلتم به وامتنعتم عن الإنفاق خوفا من نفادها
[ وكان الإنسان قتورا ] أى وكان الإنسان شحيحاً مبالغاَ في البخل، قال ابن عباس :[ قتورا ] أى بخيلا منوعأ، وقال الزمخشري : ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي لا يبلغها الوهم، ثم ذكر تعالى أن كثرة الخوارق لا تُنشىء الإيمان في القلوب الجاحدة، وها هو ذا موسى قد أوتي تسع آيات بينات، ثم كذب بها فرعون وقومه فحل بهم الهلاك جميعآ
[ ولقد أتينا موسى تسع آيات بينات ] أى والله لقد أعطينا موسى تسع آيات واضحات الدلالة على نبوته، وصحة ما جاء به من عند الله، وهي (العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفاغ، والدم، وانفلاق البحر، والسنين ) خمس منها في سورة الأعراف [ فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمل والضفاغ والدم آيات مفصلات ] والباقي متفرقات
[ فأسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ] أى فأسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون، فإنهم يعلمونها مما لديهم في التوراة، قال الرازى : وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل، أن يستفيد هذا العلم منهم، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول، فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد
[ فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ] أى إني لأظنك يا موسى قد سُحرت فتخبط عقلُك
[ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر ] أى قال له موسى توبيخا وتبكيتا : لقد تيقنت يا فرعون أن هذه الآيات التسع، ما أنزلها إلا رب السموات والأرض، شاهدة على صدقى، تبصرُ الناس بقدرة الله وعظمته ولكنك مكابر معاند
[ وإني لأظنك يا فرعون مَثبُورا ] أى وإنى لأعتقدك يا فرعون هالكا خاسرا
[ فأراد أن يستفزهم من الأرض ] أى أراد فرعون أن يخرج موسى وقومه من أرض مصر
[ فأغرقناه ومن معه جميعا ] أى فأغرقنا فرعون وجنده : أجمعين في البحر
[ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ] أى وقلنا لبني إسرائيل من بعد إغراق فرعون وجنده : اسكنوا أرض مصر
[ فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ] أى فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر مختلطين، فيكم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ثم نفصل بينكم ونميز السعداء من الأشقياء.. ثم عاد إلى تعظيم حال القرآن وجلالة قدره فقال سبحانه :
[ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ] أى وأنزلنا هذا القرآن بالحق القاطع، والنور الساطع، لا يعتريه شك ولا ريب، فيه الحكم والمواعظ، والأمثال التي اشتمل عليها القرآن، والهداية لطريق الخير والسعادة


الصفحة التالية
Icon