[ فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ] أى فلا تجادل أهل الكتاب في عدتهم، إلا جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر
[ ولا تستفت فيهم منهم أحدا ] أى لا تسأل أحدا عن قصتهم فإنً فيما أوحي إليك الكفاية
[ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ] أى لا تقولن لأمر عزمت عليه إني سأفعله غدا إلا إذا قرنته بالمشيئة، فقلت : إن شاء الله، قال ابن كثير : سبب نزول الآية أن النبي (ص) لما سئل عن قصة أصحاب الكهف قال :" غدا أجيبكم " فتأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما
[ واذكر ربك إذا نسيت ] أى إذا نسيت أن تقول (إن شاء الله ) ثم تذكرت فقلها، لتبقى نفسك مستشعرة عظمة الله
[ وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ] أى لعل الله يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح، من أمر ديني ودنياي
[ ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وإزدادوا تسعا ] أى مكثوا في الكهف نائمين ثلاثمائة وتسع سنين، وهذا بيانَ لما أُجل في قوله تعالى :[ سنين عددا ]
[ قل الله أعلم بما لبثوا ] أى الله أعلم بمدة لبثهم في الكهف على وجه اليقين
[ له غيب السموات والأرض ] أى هو تعالى المختص بعلم الغيب، وقد أخبرك بالخبر القاطع عن أمرهم، الحكيم الخبير
[ أبصر به وأسمع ] أى ما أبصره بكل موجود، وما أسمعه لكل مسموع، يدرك الخفيات كما يدرك الجليات
[ ما لهم من دونه من ولي ] أى ليس للخلق ناصر ولا معين غيره تعالى
[ ولا يشرك في حكمه أحداً ] أى ليس له شريك ولا مثيل ولا نظير، ولا يقبل في قضائه وحكمه أحدا، لأنه الغنى عما سواه.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ يبشر.. وينذر ] وبين [ يهدي.. ويضل ] وبين [ أيقا ظ.. ورقود ] وبين [ ذات اليمين.. وذات الشمال ].
٢ - الطباق المعنوي بين [ فضربنا على آذانهم.. ثم بعثناهم ] لأن معنى الأول أنمناهم والثانى أيقظناهم.
٣ - الجناس الناقص بين [ قاموا.. وقالوا ] لإختلاف بعض الحروف.
٤ - الإطناب بذكر الخاص بعد العام [ لينذر بأسا شديدا ] [ وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ] لشناعة دعوى الولد لله، وفيه من بديع الحذف وجليل الفصاحة حذف المفعول الأول، أى لينذر الكافرين بأسا شديدا، ثم ذكرالمفعول الأول وحذف الثانى في قوله :[ وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ] عذابا شديدا فحذف العذاب لدلالة الأول عليه، وحذف من الأول المنذرين لدلالة الثاني عليه، وهذا من ألطف الفصاحة.
٥ - صيغة التعجب [ أسمع به وأبصر ] يعني ما أسمعهم، وما أبصرهم ! !
٦ - الاستعارة التمثيلية [ باخغ نفسك على آثارهم ] شبًه حاله (ص) مع المشركين بحال من فارقه الأحباب، فهم بقتل نفسه، أو كاد يهلك نفسه حزنا ووجدا عليهم.
٧ - الاستعارة التبعية [ فضربنا على آذانهم ] شبهت الإنامة الثقيلة بضرب الحجاب على الآذان، كما تضرب الخيمة على السكان وكذلك يوجد استعارة في [ وربطنا على قلوبهم ] لأن الربط هو الشد، والمراد شددنا على قلوبهم كما تشد الأوعية بالأوكية.
قال الله تعالى :[ واتل ما أُوحي إليك من كتاب ربك.. ] إلى قوله [ ولم يجدوا عنها مصرفا ]. من آية (٢٧) إلى نهاية اَية (٥٣).
المناسبة :
لما ذكر تعالى قصة أهل الكهف وهي تُمثل صور التضحية والبطولة في سبيل العقيدة والإيمان، أعقبها بذكر قصة صاحب الجنتين وهي نموذج آخر للعقيدة ممثلة في قصة الأخوين من بني إسرائيل : المؤمن المعتز بإيمانه، والكافر وهو صاحب الجنتين، وما فيها من عبر وعظات، وفي ثنايا الآيات جاءت بعض التوجيهات القرآنية الكريمة.
اللغة :
[ ملتحدا ] ملجأ وأصله من لَحد إذا مال، ومن لجأتَ إليه فقد ملتَ اليه، هكذا قال أهل اللغة