[ وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ] أى وان استغاثوا من شدة العطش فطلبوا الماء، اُغيثوا بماء شديد الحرارة، كالنحاس المذاب أو كعكر الزيت المحمى يشوي وجوههم إذا قَرُب منهم من شدة حره، وفي الحديث :(ماء كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه ) أي سقطت جلدة وجهه فيه أعاذنا الله من جهنم
[ بئس الشراب وساءت مرتفقا ] أى بئس ذلك الشراب الذي يُغاثون به، وساءت جهنم منزلا ومقيلا يرتفق به أهل النار
[ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ] لما ذكر تعالى حال الأشقياء، أعقبه بذكر حال السعداء، على طريقة القرآن فى الترغيب والترهيب، أى إنا لا نضيع ثواب من أحسن عمله، وأخلص فيه، بل نزيده وننميه
[ أولئك لهم جنات عدن ] أى لهم جنات إقامة
[ تجري من تحتهم الأنهار ] أى تجري من تحت غرفهم وقصورهم أنهار الجنة
[ يحلون فيها من أساور من ذهب ] أى يُحلون في الجنة بأساور الذهب، وليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده أساور :(سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ)، لأن الله تعالى قال :[ وحلوا أساور من فضة ] وقال :[ ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ] وفي الحديث :(تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)
[ ويلبسون ثيابا خضراً من سندس وإستبرق ] أى وهم رافلون في ألوان من الحرير، برقيق الحرير وهو السندس، وبغليظه وهو الإستبرق، قال الطبري : معنى الآية أنهم يلبسون من الحلي أساور من ذهب، ويلبسون من الثياب (السندس ) وهو ما رق من الديباج، و(الإستبرق ) وهو ما غلظ منه وثَخُن
[ متكئين فيها على الأرائك ] أى متكئين في الجنة على السرر الذهبية، المزينة بالثياب والستور، قال ابن عباس : الأرائك الأسرة من ذهب وهي مكللة بالدُر والياقوت عليها الحجال
[ نعم الثواب وحسنت مرتفقا ] أى نعم ذلك جزاء المتقين، وحسنت الجنة منزلا ومقيلا لهم
[ واضرب لهم مثلا رجلين ] أى اضرب لهؤلاء الكفار هذا المثل، قال المفسرون : هما اخوان من بني إسرائيل، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، ورثا مالا عن أبيهما، فاشترى الكافر بماله حديقتين، وأنفق المؤمن ماله في مرضاة الله، حتى نفد ماله، فعيره الكافر بفقره، فأهلك الله مال الكافر، وضرب هذا مثلاا للمؤمن الذي يعمل بطاعة الله، والكافر الذي أبطرته النعمة
[ جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب ] أى جعلنا لأحدهما - وهو الكافر - بساتينِ من شجر العنب، مثمرين بأنواع العنب اللذيذ
[ وحففناهما بنخل ] أى أحطناهما بسياج من شجر النخيل
[ وجعلنا بينهما زرعاً ] أى جعلنا وسط هذين البستانين زرعا، ويتفجر بينهما نهر، وإنه لمنظر بهيج، يصوره القرآن أروع تصوير، منظر الحديقتين المثمرتين بأنواع الكرم، المحفوفتين بأشجار النخيل، تتوسطهما الزروع وتتفجر بينهما الأنهار
[ كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً ] أي كل واحدة من الحديقتين، أخرجت ثمرها يانعا في غاية الجودة والطيب، ولم تنقص منه شيئا
[ وفجرنا خلالهما نهرا ] أى جعلنا اللهر يسير وسط الحديقتين
[ وكان له ثمر ] أى وكان للكافر من جنتيه أنواع من الفواكه والثمار
[ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ] أى قال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهو يجادله ويخاصمه ويفتخر عليه ويتعالى : أنا أغنى منك وأشرف، وأكثر أنصارا وخدما
[ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه ] أى أخذ بيد المؤمن ودخل الحديقة يطوف به فيها، ويريه ما فيها من أشجار وثمار وأنهار، وهو ظالم لنفسه بالعُجب والكفر
[ قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ] أى ما أعتقد أن تفنى هذه الحديقة أبدا
[ وما أظن الساعة قائمة ] أى وما أعتقد القيامة كائنة وحاصلة، أنكر فناء جنته، وأنكر البعث والنشور