[ قال أرأيتَ إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت ] أى قال الفتى (يوشع بن نون ) حين طلب موسى منه الحوت للغداء : أرأيت حين التجأنا إلى الصخرة التي نمت عندها، ماذا حدث من الأمر العجيب ؟ لقد خرج الحوتُ من المكتل ودخل البحر، واصبح عليه مثل الكوة، وقد نسيتُ أن أذكر لك ذلك حين استيقظتَ
[ وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره ] أى وقد أنساني الشيطان أن أخبرك عن قصته الغريبة
[ واتخذ سبيله في البحر عجبا ] أى واتخذ الحوتُ طريقه في البحر، وكان أمره عجبا، يتعجب الفتى من أمره، لأنه كان حوتا مشويا، فدبت فيه الحياة ودخل البحر
[ قال ذلك ما كنا نبغ ] أى قال موسى : هذا الذي نطلبه ونريده، لأنه علامة على غرضنا، وهو لقيا الرجل الصالح
[ فارتدا على آثارهما قصصا ] أى رجعا في طريقهما الذي جاءا منه، يتتبعان أثرهما الأول، لئلا يخرجا عن الطريق
[ فوجدا عبداَ من عبادنا ] أى وجدا الخضر عليه السلام، عند الصخرة التى فقد عندها الحوت، وفي الحديث أن موسى وجد الخضر مسجى بثوبه، مستلقياً على الأرض، فقال له : السلام عليك، فرفع رأسه، وقال : وأنى بأرضك السلام ؟ أى من أين لك السلام في هذه الأرض ؟
[ آتيناه رحمة من عندنا ] أى وهبناه نعمة عظيمة، وفضلا كبيرا وهي الكرامات التي أظهرها الله على يديه (( الصحيح ان الخضر عليه السلام ليس بنبي وإنما هو من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين، وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات، والأمور الغيبية، تعليما للخلق فضل العبودية لله رب العالمين، وما يكرم الله به بعض أوليائه
[ وعلمناه من لدنا علما ] أى علما خاصا بنا لا يُعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب، قال العلماء : هذا العلم الربانى ثمرة الإخلاص والتقوى ويسمى " العلم اللدُني " يورثه الله لمن أخلص العبودية له، ولا ينال بالكسب والمشقة، وإنما هو هبة الرحمن، لمن خصه الله بالقرب والولاية والكرامة
[ قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً ] أى هل تأذن لي في مرافقتك، لأقتبس من علمك ما يرشدني في حياتي ؟ قال المفسرون : هذه مخاطبة فيها ملاطفة، وتواضع من نبي الله الكريم، وكذلك ينبغى أن يكون الإنسان، مع من يريد أن يتعلم منه
[ قال إنك لن تستطيع معي صبرا ] أى قال الخضر : إنك لا تستطيع الصبر على ما ترى، قال ابن عباس : لن تصبر على صنعى، لأني علمتُ من غيب علم ربي
[ وكيف تصبرُ على ما لم تحط به خبرا ] أى كيف تصبر على أمر ظاهره منكر، وأنت لا تعلم باطنه ؟
[ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ] أى قال موسى ستراني صابراَ، ولا أعصي أمرك إن شاء الله
[ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ] شرط عليه قبل بدء الرحلة، ألا يسأله، ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له سرها، فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم، والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله، حتى أبينه لك بنفسي
[ فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ] أى انطلق (موسى والخضر) يمشيان على ساحل البحر، حتى مرت بهما سفينة، فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر، فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس، فقلع لوحا من ألواح السفينة، بعد أن أصبحت في لجة البحر
[ قال أخرقتها لتغرق أهلها ] أى قال له موسى مستنكرا : أخرقت السفينة لتغرق الركاب ؟
[ لقد جئت شيئا إمرآ ] أى فعلت شيئا عظيما هائلا، يروى أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق، ثم قال للخضر : قوم حملونا بغير أجر، عمدتَ إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهل السفينة، لقد فعلت أمراَ منكراً عظيما! !
[ قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا ] أى ألم أخبرك من أول الأمر، إنك لا تصبر على ما ترى من صنيعي ؟ ذكره بلطف في مخالفته الشرط