[ قال لا تؤاخذني بما نسيت ] أى لا تؤاخذني بمخالفتي الشرط ونسياني العهد
[ ولا ترهقني من أمري عسرا ] أى لا تكلفني مشقة في صحبتي إياك، وعاملني باليُسر لا بالعُسر
[ فإنطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ] أى فقبل عذره، وانطلقا بعد نزولهما من السفينة يمشيان، فمرا بغلمان يلعبون، وفيهم غلام وضيء الوجه، جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده، ثم رماه في الأرض
[ قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ] أى قال موسى : أقتلت نفساً طاهرة، لم ترتكب جرما ولم تقتل نفسا حتى تقتل به ! ؟
[ لقد جئت شيئا نكراَ ] أى فعلت شيئا منكرا عظيما، لا يمكن السكوت عنه.. لم يكن موسى ناسيا في هذه المرة ولا غافلا، ولكنه قاصد أن يُنكر المنكر الذي لا يصبر على وقوعه، بالرغم من تذكره لوعده، وقال هنا :[ نكرا ] أى منكراً فظيعا وهو أبلغ من قوله [ إمرا ] في الآية السابقة، ذكر القرطبي أن موسى عليه السلام لما قال للخضر [ أقتلت نفسا زكية ] غضب واقتلع كتف الصبي الأيسر، وقشر اللحم عنه، فإذا مكتوب في عظم كتفه (كافر لا يؤمن بالله أبدا)
[ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا ] أى ألم أقل لك أنتَ على التعيين والتحديد لن تستطيع الصبر على ما ترى مني ؟ قال المفسرون : وقره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب، فلما خالف في الثاني واجهه بقوله :[ لك ] لعدم العذر هنا، ويعود موسى لنفسه، ويجد أنه خالف وعده مرتين، فيندفع ويقطع على نفسه الطريق، ويجعلها أخر فرصة أمامه
[ قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ] أى إن أنكرت عليك بعد هذه المرة، واعترضتُ على ما يصدر منك، فلا تصحبني معك
[ قد بلغت من لدني عذرا ] أى قد أعذرتَ إلى في ترك مصاحبتي، فأنت معذور عندي، لمخالفتي لك ثلاث مرات
[ فانطلقا حتى إذا آتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ] أى مشيا حتى وصلا إلى قرية، قال ابن عباس : هي " أنطاكية " فطلبا طعاما وكان أهلها لئاما لا يطعمون جائعا، ولا يستضيفون ضيفا، فامتنعوا عن إضافتهما أو إطعامهما
[ فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ] أى وجدا في القرية حائطا مائلا يوشك أن يسقط ويقع
[ فأقامه ] أي مسحه الخضر بيده فاستقام، وقيل إنه هدمه ثم بناه وكلاهما مروي عن ابن عباس
[ قال لو شئت لأتخذت عليه أجرا ] أى قال له موسى : لو أخذت منهم أجرا نستعين به على شراء الطعام ! ! أنكر عليه موسى صنيع المعروف مع غير أهله، روي أن موسى، قال للخضر : قوم استطعمناهم فلم يطعمونا، واستضفناهم فلم يضيفونا، ثم قعدت تبنى لهم الجدار، لو شئتَ لأتخذت عليه أجرا!
[ قال هذا فراقُ بيني وبينك ] أى قال الخضر : هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك
[ سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ] أى سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث، التي أنكرتها على، ولم تستطع الصبر عليها، وفي الحديث :" رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر، حتى يقص الله علينا من أخبارهما، ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب
[ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ] هذا بيان وتفصيل للأحداث العجيبة، التي رآها موسى ولم يطق لها صبرا، والمعنى : أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناس ضعفاء، لا يقدرون على مدافعة الظلمة، يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب
[ فأردت أن أعيبها ] أى أردت بعرقها أن أجعلها معيبة، لئلا يغتصبها الملك الظالم
[ وكان وراءهم ملك ] أى كان أمامهم ملك كافر ظالم
[ يأخد كل سفينة غصبا ] أى يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها
[ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين ] أى وأما الغلام الذي قتلتُه، فكان كافرا فاجرا وكان أبواه مؤمنين وفي الحديث :(إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفراَ)