[ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ] أي قال القوم لذي القرنين : إن يأجوج ومأجوج - قبيلتان من بني آدم في خلقهم تشوية، منهم مفرط في الطول، ومنهم مفرط في القصر - قوم مفسدون بالقتل السلب واللهب، وسائر وجوه الشر، كانوا من أكلة لحوم البشر، يخرجون في الربيع، فلا يتركون أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه
[ فهل نجعل لك خرجا ] أى هل نفرض لك جزءأ من أموالنا كضريبة وخراج
[ على أن تجعل بيننا وبينهم سداَ ] أى لتجعل سدا يحمينا من شر يأجوج ومأجوج، قال في البحر : هذا استدعاء منهم لقبول ما يبذلونه على جهة حسن الأدب
[ قال ما مكنى فيه ربي خير ] أى ما بسطه الله على من القُدرة والمُلك، خير مما تبذلونه لي من المال
[ فأعينوني بقوة ] أى لا حاجة لي إلى المال، فأعينوني بالأيدي والرجال
[ أجعل بينكم وبينهم ردما ] أي أجعل بينكم وبينهم سداً منيعا، وحاجزا حصينا، وهذه شهامة منه حيث رفض قبول المال، وتطوع ببناء السد واكتفى بعون الرجال
[ آتوني زبر الحديد ] أى أعطوني قطع الحديد وأجعلوها لي في ذلك المكان
[ حتى إذا ساوى بين الصدفين ] أى حتى إذا ساوى البناء بين جانبي الجبلين
[ قال انفخوا ] أى انفخوا بالمنافيخ عليه
[ حتى إذا جعله نارا ] أى جعل ذلك الحديد المتراكم كالنار بشدة الإحماء
[ قال اَتوني أفرغ عليه قطراً ] أى أعطوني أصب عليه النحاس المذاب، قال الرازى : لما آتوه بقطع الحديد وضع بعضها على بعض، حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافخ عليها، حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمي، فالتصق بعضه ببعض، وصار جبلا صلدا ٠
[ فما اسطاعوا أن يظهروه ] أى فما استطاع المفسدون ان يعلوه ويتسوروه، لعلوه وملاسته
[ وما استطاعوا له نقبا ] أى وما استطاعوا نقبه من أسفل لصلابته وثخانته، وبهذا السد المنيع، أغلق (ذو القرنين ) الطريق على يأجوج ومأجوج
[ قال هذا رحمة من ربي ] أى قال ذو القرنين : هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده
[ فإذا جاء وعد ربي ] أى فإذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج، وذلك قرب قيام الساعة
[ جعله دكاء ] أى جعله الله مستويا بالأرض، وعاد متهدما كأن لم يكن بالأمس
[ وكان وعد ربي حقاَ ] أي كان وعده تعالى بخراب السدً وقيام الساعة، كائنا لا محالة.. وههنا تنتهي قصة ذي القرنين، ثم يأتي الحديث عن أهوال الساعة وشدائد القيامة، حيث يقول سبحانه :
[ وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ] أي تركنا الناس يوم قيام الساعة، يضطرب بعضهم ببعض - لكثرتهم - كاضطراب موج البحر
[ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ] أى ونفخ في الصور النفخة الثانية، فجمعناهم للحساب والجزاء، في صعيد واحد جمعا، لم يتخلف منهم أحد
[ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ] أى أبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق، حتى شاهدوها بأهوالها، عرضا مخيفا مفزعاً
[ الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى ] أى هم الذين كانوا في الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون
[ وكانوا لا يستطيعون سمعا ] أى لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى، لظلمة قلوبهم، قال أبو السعود : وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عمى صم
[ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء ] الهمزة للإنكار والتوبيخ، أى هل يظن الكافرون أن يتخذوا بعض عبادي آلهة يعبدونهم دوني ؟ كالملائكة وعزير والمسيح ابن مريم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي ؟ قال القرطبي : جواب الاستفهام محذوف تقديره : أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أو لا أعاقبهم ؟