[ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ] أى هذا ذكرُ رحمةِ ربك لعبدِهِ زكريا نقصه عليك يا محمد
[ إذ نادى ربه نداء خفيا ] أى حين ناجى ربه ودعاه بصوت خفى لا يكاد يسمع، قال المفسرون : لأن الإخفاء في الدعاء أدخلُ في الإخلاص وأبعدُ من الرياء
[ قال رب إني وهن العظم مني ] أى دعا في ضراعة فقال يا رب : لقد ضعف عظمي، وذهبت قوتي من الكِبر
[ واشتعل الرأس شيبا ] أى انتشر الشيب في رأسي انتشار النار في الهشيم
[ ولم أكن بدعائك رب شقيا ] أى لم تخيب دعائي في وقت من الأوقات، بل عودتني الإحسان والجميل، فاستجب دعائي الآن، كما كنت تستجيبه فيما مضى، قال البيضاوي : هذا توسل بما سلف له من الاستجابة، وأنه تعالى عوده بالإجابة وأطمعه فيها، ومن حق الكريم أن لا يخيب من أطمعه
[ وإني خفت الموالي من ورائي ] أى خفت بني العم والعشيرة، من بعد موتي أن يضيعوا الدين، ولا يُحسنوا وراثة العلم والنبوة
[ وكانت امرأتي عاقراَ ] أى لا تلد لكبر سنها أو لم تلد قطْ
[ فهب لي من لدنك ولياً ] أى فارزقنى من محض فضلك ولدا صالحا يتولاني
[ يرثني ويرث من آل يعقوب ] أي يرثني ويرث أجداده في العلم والنبوة، قال البيضاوي : المراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال
[ واجعله رب رضيا ] أى اجعله يا رب مرضيا عندك، قال الرازى : قدم زكريا عليه السلام على طلب الولد أمورا ثلاثة : أحدها : كونه ضعيفا، والثانى : أن الله ما رد دعاءه البتة، والثالث : كون المطلوب بالدعاء سببا للمنفعة في الدين، ثم صرح بسؤال الولد، وذلك مما يزيد الدعاء توكيدا، لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته، والتبري عن الأسباب الظاهرة
[ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ] أى نبشرك بواسطة الملائكة بغلام يسمى " يحيى " كما في آل عمران [ فنادته الملائكة وهو قائمَ يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ]
[ لم نجعل له من قبل سميا ] أى لم يسم أحد قبله بيحيى، فهو اسم فذ غير مسبوق، سماه تعالى به ولم يترك تسميته لوالديه، وقال مجاهد : ليس له شبيه فى الفضل والكمال
[ قال رب أنى يكون لي غلام ] أى كيف يكون لي غلام ؟ وهو استفهام تعجب وسرور بالأمر العجيب
[ وكانت امرأتي عاقرا ] أى والحال أن امرأتي كبيرة السن، لم تلد في شبابها، فكيف وهي الآن عجوز! !
[ وقد بلغت من الكبر عتيا ] أى بلغتُ في الكبر والشيخوخة نهاية العمرقال المفسرون : كان قد بلغ مائة وعشرين سنة، وامرأتُه تسعا وتسعين سنة، فأراد أن يطمئن ويعرف الوسيلة التي يرزقه بها هذا الغلام
[ قال كذلك قال ربك هو على هين ] أى قال الله لزكريا : هكذا الأمر أخلقه من شيخين كبيرين، وخلقُه وِايجادُه سهل يسير علي
[ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ] أى كما خلقتُك من العدم ولم تكنُ شيئأ مذكورأ، فأنا قادر على خلق يحيى منكما، قال المفسرون : ليس فى الخلق هين وصعب على الله، فوسيلة الخلق للصغير والكبير، والجليل والحقير واحدة [ كن فيكون ] وإنما هو أهونُ في اعتبار الناس، فإن القادر على الخلق من العدم، قادر على الخلق من شيخين هرمين
[ قال رب اجعل لي آية ] أى اجعل لي علامة تدل على حمل امرأتي
[ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ] أى علامتك ألا تستطيع تكليم الناس، ثلاثة أيام بلياليهن، وأنت سوي الخلق ليس بك خرس ولا علة، قال ابن عباس : اعتقِل لسانه من غير مرض، وقال ابن زيد : حُبس لسانه فكان لا يستطيع أن يكلم أحدا، وهو مع ذلك يسبح ويقرأ (التوراة) لم يكن الإنجيل ظهر بعد، لأن هذا قبل ولادة عيسى عليه السلام، فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم
[ فخرج على قومه من المحراب ] أى أشرف عليهم من المصلى وهو بتلك الصفة