[ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ] أى اشار إلى قومه بأن سبحوا الله في أوائل النهار وأواخره، وكان كلامه مع الناس بالإشارة، لقوله تعالى في آل عمران [ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاتة أيام إلا رمزا ]
[ يا يحيى خذ الكتاب بقوة ] فى الكلام حذف، والتقدير فلما ولد يحيى وكبر، وبلغ السن الذي يؤمر فيه، قال الله له : يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد
[ وآتيناه الحكم صبيا ] أى أعطيناه الحكمة ورجاحة العقل منذ الصغر، روي أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب، فقال لهم : ما للعب خُلقت، وقيل : أعطي النبوة منذ الصغر، والأول أظهر، قال الطبري : المعنى أعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه سن الرجال
[ وحنانا من لدنا وزكاة ] أى فعلنا ذلك رحمة منا بأبويه، وعطفا عليه، وتزكية له من الخصال الذميمة
[ وكان تقيا ] أى عبدا صالحاً متقيا لله، لم يهم بمعصية قط، قال ابن عباس : طاهرً لم يعمل بذنب
[ وبرا بوالديه ولم يكن جباراً عصيا ] أى جعلناه بارا بأبيه وأُمه محسنا إليهما، ولم يكن متكبرا عاصياً لربه
[ وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيأ ] أى سلام عليه من الله فى يوم ولادته وفى يوم موته، ويوم يُبعث من قبره، قال ابن عطية : حياه في المواطن التي يكون الإنسان فيها في غاية الضعف، والحاجة، والافتقار إلى الله
[ واذكر في الكتاب مريم ] هذه هي القصة الثانية فى هذه السورة، وهي أعجب من قصة " ميلاد يحي " لأنها ولادة عذراء من غير بعل، وهى أغرب من ولادة عاقر، من بعلها الكبير في السن، والمعنى : اذكر يا محمد قصة مريم العجيبة الغريبة، الدالة على كمال قدرة الله
[ إذ إنتبذت من أهلها مكانا شرقيا ] أى حين تنحت واعتزلت عن أهلها، في مكان شرق بيت المقدس لتتفرغ لعبادة الله
[ فإتخذت من دونهم حجابا ] أى جعلت بينها وبين قومها سترا وحاجزاً
[ فأرسلنا إليها روحنا ] أى أرسلنا إليها جبريل عليه السلام
[ فتمثل لها بشرا سوياً ] أى تصور لها في صورة البشر التام الخلقة، قال ابن عباس : جاءها في صورة شاب أبيض الوجه، جعدَ الشعر مستوى الخلقة، قال المفسرون : إنما تمثل لها في صورة الإنسان، لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على السماع لكلامه، ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة، الفائقة في الحسن
[ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ] أى فلما رأته فزعت وخشيت أن يكون إنما أرادها بسوء فقالت : إني احتمي والتجىء إلى الله منك، وجواب الشرط محذوف تقديره إن كنت تقيا فاتركني ولا تؤذني
[ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ] أى قال لها (جبريل ) مزيلا لما حصل عندها من الخوف : ما أنا إلا ملَك مرسل من عند الله إليك، ليهبَ لك الله غلاما طاهرا من الذنوب
[ قالت أنى يكون لي غلام ] أى كيف يكون لي غلام ؟ وعلى أي صفة يوجد هذا الغلام مني ؟
[ ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ] أى ولستُ بذاتِ زوج حتى يأتيني ولد ولستُ بزانية
[ قال كذلك قال ربك هو على هين ] أى كذلك الأمرُ، حَكَمَ ربك بمجيء الغلام منك، وإن لم يكن لك زوج، فإن ذلك على الله سهل يسير
[ ولنجعله آية للناس ورحمة منا ] أى وليكون مجيئه دلالة للناس على قدرتنا العجيبة، ورحمة لهم ببعثته نبيا يهتدون بإرشاده
[ وكان أمرا مقضيا ] أى وكان وجوده أمرا مفروغا منه، لا يتغير ولا يتبدل، لأنه في سابق علم الله آلأزلي


الصفحة التالية
Icon