[ وبرا بوالدتي ] أى وجعلني بارا بوالدتي محسنا لها
[ ولم يجعلني جبارا شقيا ] أى ولم يجعلني متعظماا متكبرا على أحد، شقيا في حياتي
[ والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ] أى سلام الله علي في يوم ولادتي، وفي يوم مماتي، وفي يوم خروجي حيا من قبري، هذه أول كلمة نطق بها السيد المسيح عليه السلام، وهو طفل رضيع في المهد، وهي إحدى معجزاته، ولكننا لا نجد لها وجودأ في الأناجيل الآن، فقد حذفها القسسُ والرهبان، لأنها تبطل دعواهم أنه ابن الله، مع أنها إحدى الخوارق العجيبة! ! وهكذا يعلن عيسى عبوديته لله، فليس هو إلها، ولا ابن إله، ولا ثالث ثلاثة كما يزعم النصارى، إنما هو عبد ورسول، يحيا ويموت كسائر البشر، خلقه الله من أم دون أب، ليكون آية على قدرة الله الباهرة، ولهذا جاء التعقيب المباشر
[ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ] أي ذلك هو القول الحق في عيسى ابن مريم، لا ما يصفه النصارى من أنه ابن الله، أو اليهود من أنه ابن زنى ويشكون في أمره ويمترون
[ ما كان لله أن يتخذ من ولد ] أى ما ينبغي لله ولا يجوز له أن يتخذ ولدا
[ سبحانه ] أى تنزه الله عن الولد والشريك
[ إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ] أى إذا أراد شيئا وحكم به قال له " كن فكان " ولا يحتاج إلى معاناة أو تعب، ومن كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد ؟ وهذا كالدليل لما سبق كأنه قال : إن اتخاذ الولد شأن العاجز الضعيف المحتاج، الذي لا يقدر على شيء، وأما القادر الغني الذي يقول للشيء [ كن فيكون ] فلا يحتاج فى اتخاذ الولد إلى إحبال الأنثى، وحيث أوجده بقوله :[ كن ] لا يسمى ابنا له بل هو عبده، فهو تبكيت وإلزام لهم بالحجج الباهرة
[ وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ] أى ومما آمرَ به عيسى قومَه وهو في المهد، أن أخبرهم أن الله ربه وربهم، فليفردوه بالعبادة، هذا هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه
[ فاختلف الأحزاب من بينهم ] أي اختلفت الفرق من أهل الكتاب، في أمر عيسى عليه السلام، وصاروا أحزابا متفرقين، فمنهم من يزعم أنه ابن الله، ومنهم من يزعم أنه ابن زنى
[ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ] أى ويل لهم من المشهد الهائل، ومن شهود هول الحساب والجزاء
[ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ] أى ما أسمعهم وأبصرهم فى ذلك اليوم الرهيب ! !
[ لكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين ] أى لكن الظالمون في هذه الدنيا، في بعد وغفلة عن الحق واضح جلي
[ وأنذرهم يوم الحسرة ] أى أنذر الخلائق وخوفهم يوم القيامة، يوم يتحسر المسيء إذ لم يُحسن، والمقصر إذ لم يزدد من الخير
[ إذ قضي الأمر ] أى قُضي أمرُ الله في الناس، فريق في الجنة، وفريق في السعير
[ وهم في غفلة ] أى وهم اليوم في غفلة سادرون
[ وهم لا يؤمنون ] أى لا يصدقون بالبعث والنشور
[ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ] أى نحن الوارثون للأرض وما عليها من الكنوز والبشر
[ والينا يرجعون ] أى مرجع الخلائق ومصيرهم إلينا للحساب والجزاء.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي :
١ - الكناية [ وهن العظم مني ] كناية عن ذهاب القوة وضعف الجسم.
٢ - الاستعارة اللطيفة [ اشتعل الرأس شيبا ] شبه انتشار الشيب وكثرته باشتعال النار في الحطب، واستعير الاشتعال للانتشار، واشتق منه اشتعل بمعنى انتشر، ففيه استعارة تبعية.
٣ - الطباق بين [ ولد.. ويموت ].
٤ - جناس الاشتقاق [ نادى.. نداة ].
٥ - الكناية اللطيفة [ ولم يمسسني بشر ] كناية عن المعاشرة الزوجية بالجماع، وليس المراد مجرد اللمس باليد.
٦ - صيغة التعجب [ أسمع بهم وأبصر ].
٧ - السجع الحسن الرصين [ سريا، بغيا، صبيا، نبيا ] وهو من المحسنات البديعية.