تنبيه :
في يوم القيامة تشتد الحسرات حتى لكأن اليوم ممحًضْ للحسرة لا شيء فيه سواها، وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن الرسول (ص) قال :(إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة : هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون - أى يمدون أعناقهم - وينظرون ويقولون : نعم، هذا الموت، ثم يقال : يا أهل النار، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون : نعم، هذا الموتُ، فيؤمر به فيذبح، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ (ص) :[ وأنذرهم يوم الحسرة.. ] الآية.
قال الله تعالى :[ واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبياً.. ] إلى قوله [ هل تعلم له سميا ]. من آية ( ٤١) الى نهاية آية (٦٥).
المناسبه :
لما ذكر تعالى " قصة مريم " واختلاف النصارى في شأن عيسى، حتى عبدوه من دون الله، أعقبها بذكر " قصة إبراهيم " وتحطيمه الأصنام لتذكير الناس بما كان عليه خليل الرحمن من التوحيد والإيمان، وسواء في الضلالة من عبد بشرا أو عبد حجرا، فالنصارى عبدوا المسيح، ومشركو العرب عبدوا الأوثان والأصنام.
اللغة :
[ صديقاً ] من أبنية المبالغة ومعناه كثير الصدق
[ مليا ] دهرا طويلا من قولهم أمليتُ لفلان في الأمر إذا أطلت له، قال الشاعر : فتصدعت شُم الجبال لموته وَبكت عليه المُزملاتُ ملياً
[ حفيا ] الحفى : المبالغ فى البر واللطف به
[ خلف ] الخلف : بسكون اللام : الذي يخلف سلفه بالشر، وبفتحها الذي يخلفه بالخير، يقال : جعلك الله خير خلفي لخير سلف، وقال الشاعر : ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيث في خَلف كجلد الأجرب
[ غيا ] : شرأ وضلالا قال أهل اللغة : كل شر عند العرب فهو غي، وكل خير فهو رشاد.
سبب النزول :
عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ فنزلت الآية [ وما نتنزل إلا بأمر ربك.. ] الآَية.
التفسير :
[ واذكر في الكتاب إبراهيم ] أى اذكر يا أيها الرسولُ في الكتاب العزيز، خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام
[ انه كان صديقا نبيا ] أى ملازما للصدق مبالغا فيه، جامعا بين (الصديقية) و(النبؤة)، والغرضُ تنبيه العرب إلى فضل إبراهيم، الذي يزعمون الانتساب إليه ثم يعبدون الأوثان، مع أنه إمام الحنفاء، وقد جاء بالتوحيد الصافي، الذي دعاهم إليه خاتم المرسلين
[ إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ] أى ناداه متلطفا بخطابه، مستميلا له نحو الهداية والإيمان، قائلا له : يا ابتِ لم تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر ؟ ولا يجلب لك نفعا أو يدفع عنك ضراً ؟
[ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ] كرر النصح باللطف، ولم يصف أباه بالجهل الشنيع في عبادته للأصنام، وإنما ترفق وتلطف قي كلامه أى جاءني من العلم بالله ومعرفة صفاته القدسية ما لا تعلمه انت
[ فاتبعني أهدك صراطا سوياً ] أى اقبل نصيحتي وأطعني، أرشدك إلى طريق مستقيم، فيه النجاة من المهالك، وهو دين الله الإسلام، الذي لا عوج فيه
[ يا أبت لا تعبد الشيطان ] أى لا تطع أمر الشيطان في الكفر وعبادة الأوثان
[ إن الشيطان كان للرحمن عصياا ] أى إن الشيطان عاص للرحمن، مستكبر على عبادة ربه، فمن أطاعه أغواه، قال القرطبي : وإنما عبر بالعبادة عن الطاعة، لأن من أطاع شينا في معصية الله فقد عبده


الصفحة التالية
Icon