[ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ] تحذير من سوء العاقبة والمعنى : أخاف أن تموت على كفرك، فيحل بك عذاب الله الأليم، وتكون قرينا للشيطان بالخلود في نار الجحيم ! ! قال الإمام الفخر : وإيراد الكلام بلفظ [ يا أبت ] في كل خطاب، دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب، وإرشاده إلى الصواب، وقد رتب إبراهيم الكلام في غاية الحسن، لأنه نبهه أولا إلى بطلان عبادة الأوثان، ثم أمره باتباعه في الاستدلال وترك التقليد الأعمى، ثم ذكره بأن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام، مع رعاية الأدب والرفق، وقوله :[ اني أخاف ] دليلَ على شدة تعلق قلبه بمصالحه، قضاء لحق الأبوة
[ قال أراغب أنت عن آلهتى يا إبراهيم ] أى قال له أبوه آزر : أتارك يا إبراهيم عبادة اَلهتي ومنصرفْ عنها ؟ استفهام فيه معنى التعجب والإنكار، لإعراضه عن عبادة الأوثان، كأن ترك عبادتها لا يصدر عن عاقل، قال البيضاوي : قابل أبوه استعطافه ولطفه في الإرشاد، بالفظاظة وغلظة العناد، فناداه باسمه ولم يقابل قوله :[ يا أبت ] ب " يا ابني " وقدم الخبر وصدره بالهمزة، لإنكار نفس الرغبة كأنها مما لا يرغب عنها عاقل، ثم هدده بقوله :
[ لئن لم تنته لأرجمنك ] أى لئن لم تترك شتم وعيب آلهتي، لأرجمنك بالحجارة
[ واهجرنى مليا ] أى اهجرني دهرا طويلا ! ! بهذه الجهالة تلقى " آزر " الدعوة إلى الهدى، وبهذه القسوة قابل القول المؤدب المهذب، وكذلك شأن الكفر مع الإيمان، وشأن القلب الذي هذبه الإيمان، والقلب الذي أفسده الطغيان
[ قال سلام عليك سأستغفر لك ربي ] أى قال إبراهيم في جوابه : أما أنا فلا ينالك مني آذى ولا مكروه، ولا أقول لك بعدُ ما يؤذيك لحرمة الأبوة، وسأسأل الله أن يهديك ويغفر لك ذنبك
[ إنه كان بي حفيا ] أى مبالغاَ في اللطف بي، والإعتناء بشأني
[ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ] أى أترككم وما تعبدون من الأوثان وأرتحل عن دياركم
[ وأدعوا ربي ] أى وأعبد ربي وحده، مخلصا له العبادة والذين
[ عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا ] أى راجيا بسبب إخلاصى العبادة له، ألاا يجعلني شقيا، وفيه تعريضْ بشقاوتهم بدعاء آلهتهم.. وهكذا اعتزل إبراهيم أباه وقومه، وعبادتهم للأوثان، وهَجَر الأهل والأوطان، فلم يتركه الله وحيدا بل وهب له ذرية وعوضه خيرا
[ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب ] قال المفسرون : لما هاجر إبراهيم إلى أرض الشام، واعتزل أباه وقومه في الله، أبدله الله من هو خيرَ منهم، فوهب له (إسحق ) و(يعقوب ) أولادا أنبياء، فآنس الله بهما وحشته عن فراق قومه، بأولئك الأولاد الأطهار، ويعقوبُ ابن إسحق، وهما شجرتا الأنبياء، فقد جاء من نسلهما أنبياء بني إسرائيل، قال ابن كثير : المعنى جعلنا له نسلا وعقبا أنبياء، أقر الله بهم عينه في حياته بالنبوة ولهذا قال :
[ وكلا جعلنا نبيا ] أى كل واحد منهما جعلناه نبيا
[ ووهبنا لهم من رحمتنا ] أى أعطينا الجميعَ - إبراهيم وإسحق ويعقوب - كل الخير الديني والدنيوي، من المال والولد والعلم والعمل
[ وجعلنا لهم لسان صدق عليا ] أى جعلنا لهم ذكرا حسناَ في الناس، لأن جميع أهل الملل والأديان يثنون عليهم، لما لهم من الخصال المرضية، ويُصلون على إبراهيم وعلى إله إلى قيام الساعة، قال الطبري : أى رزقناهم الثناء الحسن، والذكر الجميل في الناس
[ واذكر في الكتاب موسى ] أى اذكر يا أيها الرسولُ لقومك فى القرآن العظيم، خبر موسى الكليم
[ إنه كان مخلصاً ] أى استخلصه الله لنفسه، واصطفاه من بين الخلق لكلامه


الصفحة التالية
Icon