[ لتجزى كل نفس بما تسعى ] اي لتنال كل نفس جزاء ما عملت من خير او شر، قال المفسرون : والحكمة من اخفائها واخفاء وقت الموت، ان الله تعالًى حكم بعدم قبول التوبة عند قيام الساعة وعند الاحتضار، فلو عرف الناس وقت الساعة او وقت الموت، لاشتغلوا بالمعاصي، ثم تابوا قبل ذلك، فيتخلصون من العقاب، ولكن الله عمى الامر، ليظل الناس على حذر دائم، وعلى استعداد دائم، من ان تبغتهم الساعة، او يفاجئهم الموت
[ فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها ] اي لا يصرفنك يا موسى عن التأهب للساعة والتصديق بها، من لا يوقن بها
[ واتبع هواه ] اي سلك طريق الهوى، واقبل على اللذائذ والشهوات، ولم يحسب حسابا لآخرته
[ فتردى ] اي فتهلك، فإن الغفلة عن الآخرة مستلزمة للهلاك
[ وما تلك بيمينك يا موسى ] اي وما هذه التي بيمينك يا موسى ؟ أليست عصا ؟ والغرض من الاستفهام التقرير والايقاظ، والتنبيه الى ما سيبدو من عجائب صنع الله، في الخشبة اليابسة بانقلابها الى حية، لتظهر لموسى القدرة الباهرة، والمعجزة القاهرة، قال ابن كثير : انما قال له ذلك على وجه التقرير، اي اما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن
[ قال هي عصاي أتوكأ عليها ] اى اعتمد عليها في حال المشي
[ وأهش بها على غنمي ] اي أهز بها الشجرة، واضرب بها على الاغصان، ليتساقط ورقها فترعاه غنمي
[ ولي فيها مآرب أخرى ] اي ولي فيها مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك، قال المفسرون : كان يكفي ان يقول هي عصاي، ولكنه زاد في الجواب لان المقام مقام مباسطة، وقد كان ربه يكلمه بلا واسطة، فأراد ان يزيد في الجواب، ليزداد تلذذا بالخطاب، وكلام الحبيب مريح للنفس ومذهب للعناء
[ قال ألقها يا موسى ] اي اطرح هذه العصا التي بيدك يا موسى، لترى من شأنها ما ترى
[ فألقاها فإذا هي حية تسعى ] اي فلما القاها صارت في الحال حية عظيمة، تنتقل وتتحرك في غاية السرعة، قال ابن عباس : انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شىء، خافه ونفر منه وولى هاربا قال المفسرون : لما رأى هذا الامر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الاهوال والمخاوف، لا سيما هذا الامر الذي يذهب بالعقول، وانما اظهر له هذه الآية وقت المناجاة، تأنيسا له بهذه المعجزة الهائلة، حتى لا يفزع اذا القاها عند فرعون، لأنه يكون قد تدرب وتعود
[ قال خذها ولا تخف ] اي قال له ربه : خذها يا موسى ولا تخف منها
[ سنعيدها سيرتها الأولى ] اي سنعيدها الى حالتها الاولى كما كانت، عصا لا حية، فأمسكها فعادت عصا
[ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ] اي ادخل يدك تحت ابطك، ثم اخرجها تخرج نيرة مضيئة كضوء الشمس والقمر، من غير عيب ولا برص، وكان اذا ادخل يده في جيبه ثم اخرجها، تعرج تتلألأ كأنها فلقة قمر، من غير برص ولا أذى
[ آية أخرى ] اي معجزة ثانية غير العصا
[ لنريك من آياتنا الكبرى ] اي لنريك بذلك بعض آياتنا العظيمة.. اراه الله معجزتين (العصا، واليد) وهي بعض ما أيده الله به من المعجزات الباهرة، ثم أمره ان يتوجه الى فرعون رأس الكفر والطغيان
[ اذهب الى فرعون إنه طغى ] اي اذهب بما معك من الآيات الى فرعون، انه تكبر وتجبر، وجاوز الحد في الطغيان، حتى ادعى الألوهية
[ قال رب اشرح لي صدري ] اي وسعه ونوره بالايمان والنبوة
[ ويسر لي أمري ] اي سهل علي القيام بما كلفتني من اعباء الرسالة والدعوة