[ قال بل ألقوا ] اي قال لهم موسى : بل ابدءوا انتم بالإلقاء، قال ابو السعود : قال ذلك مقابلة للأدب بأحسن من ادبهم، حيث بت القول بإلقائهم اولا، واظهارا لعدم المبالاة بسحرهم، ليبرزوا ما معهم، ويستفرغوا أقصى جهدهم، وقصارى وسعهم، ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه
[ فإذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعى ] في الكلام حذف دل عليه المعنى، اي فألقوا فإذا تلك الحبال والعصي التي القوها يتخيلها موسى ويظنها - من عظمة السحر - انها حيات تتحرك وتسعى على بطونها، والتعبير يوحي بعظمة السحر، حتى ان موسى فزع منها واضطرب
[ فأوجس في نفسه خيفة موسى ] اي احس موسى الخوف في نفسه، بمتقضى الطبيعة البشرية، لانه رأى شيئا هائلا
[ قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ] اى قلنا لموسى : لا تخف مما توهمته، فإنك انت الغالب المنتصر
[ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ] اي القِ عصاك التي بيمينك، تبتلع بفمها ما صنعوه من السحر
[ إنما صنعوا كيد ساحر ] اي ان الذى اخترعوه وافتعلوه هو من باب الشعوذة والسحر
[ ولا يفلح الساحر حيث أتى ] اي لا يسعد الساحر حيث كان، ولا يفوز بمطلوبه لانه كاذب مضلل
[ فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى ] اي فألقى موسى عصاه، فابتلعت ما صنعوا، فخر السحرة حينئذ سجدا لله رب العالمين، لما رأوا من الآية الباهرة، قال ابن كثير : لما القى موسى العصا صارت ثعبانا عظيما هائلا، ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي، حتى لم تبق شيئا الا ابتلعته، والناس ينظرون الى ذلك عيانا نهارا، فلما عاين السحرذلك، وشاهدوه علموا علم اليقين، ان هذا ليس من قبيل السحر والحيل، وانه حق لا مرية فيه، فعند ذلك وقعوا سجدا لله، فقامت المعجزة واتضح البرهان، ووقع الحق وبطل السحر، قال ابن عباس : كانوا اول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة
[ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ] اي قال فرعون للسحرة : آمنتم بموسى وصدقتموه بما جاء به، من قبل ان اسمح لكم بذلك، وقبل ان تستأذنوني ؟
[ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ] اي انه رئيسكم الذي علمكم السحر، فاتفقتم معه لتذهبوا بملكي، قال القرطبي : وانما اراد فرعون بقوله هذا ان يلبس على الناس، حتى لا يتبعوهم فيؤمنوا كإيمانهم، ثم توعدهم وهددهم بالقتل والتعذيب، فقال :
[ فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ] اي فوالله لأقطعن الأيدي والأرجل منكم مختلفات، بقطع اليد اليمنى، والرجل اليسرى، او بالعكس
[ ولأصلبنكم في جذوع النخل ] اي لأربطنكم على جذوع النخل، واقتلنكم شر قتلة
[ ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ] اي ولتعلمن ايها السحرة، من هو اشد منا عذابا وأدوم ؟ هل انا ؟ ام رب موسى الذي صدقتم به وآمنتم ؟
[ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ] اي قال السحرة : لن نختارك ونفضلك على الهدى والايمان، الذي جاءنا من الله، ولو كان في ذلك هلاكنا
[ والذي فطرنا ] اي مقسمين بالله الذي خلقنا
[ فاقض ما أنت قاض ] اى فاصنع ما انت صانع
[ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ] اي انما ينفذ امرك في هذه الحياة الدنيا، وهي فانية زائلة، ورغبتنا فى النعيم الخالد، قال عكرمة : لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة، فلذلك قالوا ما قالوا
[ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ] اي آمنا بالله ليغفر لنا الذنوب التي اقترفناها، وما صدر منا من الكفر والمعاصي
[ وما أكرهتنا عليه من السحر ] اي ويغفر لنا السحر الذي عملناه لإطفاء نور الله
[ والله خير وأبقى ] اي والله خير منك ثوابا، وأبقي عذابا، وهذا جواب قوله :[ ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقي ]