[ إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم ] هذا من تتمة كلام السحرة عظة لفرعون اي من يلقى ربه يوم القيامة وهو مجرم، باقترافه المعاصي وموته على الكفر، فإن له نار جهنم
[ لا يموت فيها ولا يحيا ] اى لا يموت في جهنم فينقضي عذابه، ولا يحيا حياة طيبة هنيئة
[ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ] اى ومن يلقى ربه مؤمنا موحدا، وقد عمل الطاعات وترك المنهيات
[ فأولئك لهم الدرجات العلى ] اي فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات، لهم المنازل الرفيعة عند الله
[ جنات عدن ] اى جنات اقامة ذات الدرجات العاليات، والغرف الآمنات، والمساكن الطيبات
[ تجري من تحتها الأنهار ] اى تجري من تحت غرفها وسررها انهار الجنة من الخمر، والعسل، واللبن، والماء
[ خالدين فيها ] اى ماكثين في الجنة دوما لا يخرجون منها ابدا
[ وذلك جزاء من تزكى ] اي وذلك ثواب من تطهر من دنس الكفر والمعاصي، وفي الحديث :(الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض، والفردوس اعلاها درجة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ).
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستعارة اللطيفة [ واصطنعتك لنفسي ] شبه ما خوله به من القرب والاصطفاء بحال من يراه الملك اهلا للكرامة وقرب المنزلة، لما فيه من الخلال الحميدة فيصطنعه لنفسه، ويختاره لخلته، ويصطفيه لأموره الجليلة، واستعار لفظ اصطنع لذلك، ففيه استعارة لطيفة، تسمى (الاستعارة التبعية).
٢ - المقابلة اللطيفة [ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ] حيث قابل بين [ منها ] و[ فيها ] وبين الخلق والاعادة، وهذا من المحسنات البديعية.
٣ - الإيجاز بالحذف [ بل ألقوا فإذا حبالهم ] اي فألقوا فإذا حبالهم حذف لدلالة المعنى عليه، ومثله [ فألقي السحرة سجدا ] بعد قوله [ وألق ما في يمينك ] حذف منه كلام طويل، وهو : فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا من السحر فألقي السحرة سجدا، وانما حسن الحذف لدلالة المعنى عليه ويسمى هذا في علم البلاغة (إيجاز حذف ) كما يقولون : البلاغةُ الإيجاز.
٤ - الطباق بين [ يموت.. ويحيا ] وبين [ نعيد.. ونخرج ].
٥ - المقابلة بين [ إنه من يأت ربه مجرما ] وبين [ ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ] والمقابلة هي ان يؤتى بمعنيين او اكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك، كما في هذه الآيات الكريمة.
٦ - السجع الحسن غير المتكلف في مثل [ سوى، ضحى، افترى، يحيا، تزكى ] الخ.
٧ - المؤكدات [ إنك أنت الأعلى ] أكد الخبر بعدة مؤكدات وهي [ إن ] المفيدة للتأكيد، وتكرير الضمير [ أنت ] وتعريف الخبر [ الأعلى ] ولفظ العلو الدال على الغلبة، وصيغة التفضيل [ الأعلى ] ولله در التنزيل ما أبلغه وأروعه، وهذا من خصائص علم المعاني.
تنبيه :
لم تذكر الآيات الكريمة ان فرعون فعل بالسحرة ما هددهم به، وقد ذكر المفسرون انه أنفذ فيهم وعيده، فقطع ايديهم وارجلهم وصلبهم فماتوا على الإيمان، ولهذا قال ابن عباس : كانوا في اول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة.
قال الله تعالى :[ ولقد أوحينا إلى موسى.. ] الى قوله [ وسع كل شىء علما ]. من آية (٧٧) الى نهاية آية (٩٨ ).
المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن قصة موسى وفرعون، وتشير الآيات هنا الى عناية الله تعالى بموسى وقومه، وانجائهم واهلاك عدوهم، وتذكرهم بنعم الله العظمى، ومننه الكبرى على بني اسرائيل، وما وصاهم به من المحافظة على شكرها، وتحذيرهم من التعرض لغضب الله بكفرها، ثم تذكر الآيات انتكاس بني اسرائيل بعبادتهم العجل، وقد طوى هنا ما فصل في آيات أخر، بقصد الإيجاز، لتتكامل سلسلة حلقات القصة.
اللغة :
[ دركا ] لحاقا مصدر أدركه إذا لحقه