[ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ] اي نعبدها تقليدا لأسلافنا، قال ابن كثير : لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال
[ قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ] اي لقد كنتم واسلافكم، الذين عبدوا هذه الاصنام، في خطأ بين بعبادتكم إياها، اذ هي جمادات، لا تنفع ولا تضر ولا تسمع
[ قالوا أجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين ] اي هل انت جاد فيما تقول يا ابراهيم ام لاعب ؟ وهل قولك حق ام مزاح ؟ استعظموا انكاره عليهم، واستبعدوا ان يكون ما هم عليه ضلالا، وجوزوا ان ما قاله على سبيل المزاح لا الجد فأضرب عن قولهم، واخبر انه جاد فيما قال غير لاعب
[ قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن ] اي ربكم الجدير بالعبادة، هو رب السموات والارض، الذي خلقهن وابدعهن، لا هذه الاصنام المزعومة
[ وأنا على ذلكم من الشاهدين ] اي وانا شاهد لله بالوحدانية، بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة كالشاهد الذي تقطع به الدعاوى
[ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ] اي واقسم بالله لأمكرن بآلهتكم، وأحتالن في وصول الضر اليها، بعد ذهابكم عنها الى عيدكم، قال المفسرون : كان لهم عيد يخرجون اليه في كل سنة ويجتمعون فيه، فقال آزر لإبراهيم : لو خرجت معنا الى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم، فلما كان ببعض الطريق، القى نفسه الى الارض، وقال اني سقيم اشتكي رجلي، فتركوه ومضوا، ثم نادى في آخرهم [ وتالله لأكيدن اصنامكم ] فسمعها رجل فحفظها
[ فجعلهم جذاذا ] اي كسر الاصنام، حتى جعلها فتاتا وحطاما
[ إلا كبيرا لهم ] اي إلا الصنم الكبير فإنه لم يكسره، قال مجاهد : ترك الصنم الأكبر، وعلق الفأس الذي كسر به الاصنام في عنقه، ليحتج به عليهم
[ لعلهم إليه يرجعون ] اي لعلهم يرجعون الى الصنم فيسألونه عمن كسر الاصنام ؟ فيتبين لهم عجزه، وتقوم الحجة عليهم
[ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ] في الكلام محذوف تقديره : فلما رجعوا من عيدهم ونظروا الى آلهتهم، ورأوا ما فعل بها، قالوا على جهة الانكار والتشنيع والتوبيخ : ان من حطم هذه الآلهة، لشديد الظلم عظيم الجرم، لجراءته على الآلهه المستحقة للتعظيم والتوقير
[ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ] اي قال من سمع ابراهيم يقول :[ وتالله لأكيدن أصنامكم ] سمعنا فتى يذكرهم بالذم ويسبهم ويعيبهم، يسمى " إبراهيم " فلعله هو الذي حطم الآلهة
[ قالوا فأتوا به على أعين الناس ] اي قال نمرود واشراف قومه : احضروا ابراهيم بمرأى من الناس حتى يروه، والغرض ان تكون محاكمته على رءوس الاشهاد بحضرة الناس كلهم، ليكون عقابه عبرة لمن يعتبر
[ لعلهم يشهدون ] اي لعلهم يحضرون عقابه، ويرون ما يصنع به
[ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ] اي هل انت الذي حطمت هذه الآلهة يا ابراهيم
[ قال بل فعله كبيرهم هذا ] اي قال ابراهيم : بل حطمها الصنم الكبير، لانه غضب ان تعبدوا معه هذه الصغار فكسرها والغرض تبكيتهم لاقامة الحجة عليهم، ولهذا قال :
[ فاسألوهم إن كانوا ينطقون ] اى اسألوا هذه الاصنام من كسرها ؟ ان كانوا يقدرون على النطق، قال القرطبي : والكلام خرج مخرج التعريض، وذلك انهم كانوا يعبدونهم ويتخذونهم آلهة من دون الله، كما قال ابراهيم لأبيه :[ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا ] فقال إبراهيم :[ بل فعله كبيرهم هذا ] ليقولوا : انهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرون، فيقول لهم : فلم تعبدونهم اذا ؟ فتقوم عليهم الحجة منهم كما يجوز فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع الى الحق من نفسه، فإنه اقرب في الحجة، واقطع للشبهة
[ فرجعوا إلى أنفسهم ] أى رجعوا الى عقولهم، وتفكروا بقلوبهم


الصفحة التالية
Icon