[ فقالوا إنكم أنتم الظالمون ] اي انتم الظالمون في عبادة ما لا ينطق
[ ثم نكسوا على رءوسهم ] اى انقلبوا من الاذعان الى المكابرة والطغيان
[ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ] اي قالوا في لجاجهم وعنادهم : لقد علمت يا ابراهيم ان هذه الاصنام لا تتكلم ولا تجيب، فكيف تأمرنا بسؤالها ؟ وهذا اقرار منهم بعجز الآلهة، وحينئذ توجهت لابراهيم الحجة عليهم، فأخذ يوبخهم ولعنفهم
[ قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ] اي أتعبدون جمادات، لا تضر ولا تنفع ؟
[ أف لكم ولما تعبدون من دون الله ] اى قبحا لكم وللاصنام التى عبدتموها من دون الله
[ أفلا تعقلون ] ؟ اي أفلا تعقلون قبح صنيعكم ؟
[ قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم ] لما لزمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب، عدلوا الى البطش والتنكيل، فقالوا : احرقوا ابراهيم بالنار، انتقاما لآلهتكم ونصرة لها
[ إن كنتم فاعلين ] اي ان كنتم ناصريها حقا
[ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ] اي ذات برد وسلامة، وجاءت العبارة هكذا للمبالغة، قال المفسرون : لما ارادوا احراق ابراهيم، جمعوا له حطبا مدة شهر، حتى كانت المرأة تمرض، فتنذر ان عوفيت ان تحمل حطبا لحرق ابراهيم، ثم جعلوه في حفرة من الارض، واضرموها نارا، فكان لها لهب عظيم، حتى ان الطائر ليمر من فوقها فيحترق، من شدة وهجها وحرها، ثم اوثقوا ابراهيم وجعلوه في منجنيق، ورموه فى النار، فجاء اليه جبريل فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما اليك فلا، فقال جبريل : فأسال ربك، فقال :" حسبي من سؤالي علمه بحالي " فقال الله : يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم، ولم تحرق النار منه سوى وثاقه، قال ابن عباس : لو لم يقل الله [ وسلاما ] لآذى ابراهيم بردها
[ وأرادوا به كيدا ] اى ارادوا تحريقه بالنار
[ فجعلناهم الأخسرين ] اي اخسر الخلق، واخسر من كل خاسر، حيث كادوا لنبي الله (ابراهيم ) فرد الله كيدهم في نحورهم
[ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ] اي ونجينا ابراهيم مع ابن اخيه (لوط )، حيث هاجرا من العراق الى الشام، التي بارك الله فيها بالخصب وكثرة الانبياء، ووفرة الانهار والاشجار، قال ابن الجوزي : وبركتها ان الله عز وجل، بعث أكثر الانبياء منها، وأكثر فيها الخصب والانهار
[ ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ] اي اعطينا ابراهيم - بعدما سأل ربه الولد - (إسحاق ) واعطيناه كذلك (يعقوب ) نافلة اي زيادة وفضلا من غير سؤال، قال المفسرون : سأل ابراهيم ربه ولدا فاعطاه الله اسحاق وزاده (يعقوب ) نافلة زيادة على ما سأل، لأن ولد الولد كالولد
[ وكلا جعلنا صالحين ] اى وكلا من (ابراهيم، واسحاق، ويعقوب ) جعلناه من اهل الخير والصلاح
[ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ] اي جعلناهم قدوة ورؤساء لغيرهم يرشدون الناس الى الدين الحق، بأمر الله
[ وأوحينا اليهم فعل الخيرات ] أى اوحينا اليهم ان يفعلوا الخيرات، ليجمعوا بين العلم والعمل
[ وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ] اي وأمرناهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وانما خصهما بالذكر، لأن الصلاة افضل العبادات البدنية، والزكاة افضل العبادات المالية
[ وكانوا لنا عابدين ] اى موحدين مخلصين في العبادة
[ ولوطا آتيناه حكما وعلما ] اى واعطينا (لوطا) النبوة والعلم، والفهم السديد، قال ابن كثير : كان لوط قد آمن بإبراهيم عليه السلام، واتبعه وهاجر معه، كما قال تعالى [ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربى ] فآتاه الله حكما وعلما، واوحى اليه، وجعله نبيا وبعثه الى " سدوم " فكذبوه فأهلكهم الله ودمر عليهم، كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز