[ وأنت أرحم الراحمين ] اي اكثرهم رحمة فارحمني، ولم يصرح بالدعاء، ولكنه وصف نفسه بالعجز والضعف، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فكان فيه من حسن التلطف ما ليس في التصريح بالطلب
[ فاستجبنا له ] اي اجبنا دعاءه وتضرعه
[ فكشفنا ما به من ضر ] اي أزلنا ما اصابه من ضر وبلاء
[ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ] قال ابن مسعود : مات اولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإناث، فلما عوفي أحيوا له، وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات (( هذا الأثر عن ابن مسعود أن الله أحيا اولاده بعد موتهم فيه نظر، لأنه - كما هو معلوم - لا يرجع أحد إلى الدنيا بعد انتقاله منها إلا ما كان من معجزة المسيح عليه السلام، والصحيح أن الله عوضه من زوجته أولادا مثل من فقدهم )). والمعنى : أعطيناه اهله في الدنيا ورزقناه من زوجته مثل ما كان له من الاولاد والاتباع
[ رحمة من عندنا ] اى من اجل رحمتنا إياه
[ وذكرى للعابدين ] اي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر، قال القرطبي : اي وتذكيرا للعباد لأنهم اذا ذكروا بلاء (ايوب ) ومحنته وصبره، وطنوا انفسهم على الصبر على شدائد الدنيا، مثل ما فعل ايوب وهو افضل اهل زمانه، يروى ان ايوب مكث في البلاء ثمان عشرة سنة فقالت له امرأته يوما : لو دعوت الله عز وجل فقال لها : كم لبثنا في الرخاء ؟ فقالت : ثمانين سنة فقال : اني استحيي من الله ان ادعوه وما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي
[ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ] اي واذكر لقومك قصة اسماعيل بن ابراهيم، وادريس بن شيث، وذا الكفل
[ كل من الصابرين ] اي كل من هؤلاء الانبياء، من اهل الاحسان والصبر، جاهدوا في الله، وصبروا على ما نالهم من الاذى
[ وأدخلناهم في رحمتنا ] اي ادخلناهم بصبرهم وصلاحهم الجنة، دار الرحمة والنعيم
[ إنهم من الصالحين ] اي لأنهم من اهل الفضل والصلاح
[ وذا النون ] اي واذكر لقومك قصة (يونس بن متى) الذى ابتلعه الحوت، والنون هو الحوت نسب اليه لأنه التقمه
[ إذ ذهب مغاضبا ] اي حين خرج من بلده مغاضبا لقومه، اذ كان يدعوهم الى الإيمان فيكفرون، حتى اصابه ضجر منهم فخرج عنهم، ولذلك قال الله تعالى :[ ولا تكن كصاحب الحوت ] ولا يصح ان نفهم انه خرج مغاضبا لربه، قال ابو حيان : وقول من قال : مغاضبا لربه يجب طرحه، إذ لا يناسب منصب النبوة وقال الرازي : لا يجوز صرف المغاضبة الى الله تعالى، لان ذلك صفة من يجهل كون الله مالكا للامر والنهي، والجاهل بالله لا يكون مؤمنا ؟ فضلا عن ان يكون نبيا، ومغاضبته لقومه كانت غضبا لله، وأنفة لدينه، وبغضا للكفر واهله
[ فظن أن لن نقدر عليه ] اي ظن يونس ان لن نضيق عليه بالعقوبة، كقوله تعالى :[ ومن قدر عليه رزقه ] اى ضيق عليه فيه، فهو من القَدر بمعنى التضييق لا من القدرة، قال الامام الفخر : من ظن عجز الله فهو كافر، ولا خلاف انه لا يجوز نسبة ذلك الى آحاد المؤمنين، فكيف الى الانبياء عليهم السلام روي ان ابن عباس دخل على معاوية، فقال له معاوية : لقد ضربتني امواج القرآن البارحة فغرقت فيها، فلم اجد لي خلاصا الا بك، فقال : وما هي ؟ قال : يظن نبى الله (يونس ) ان لن يقدر الله عليه ؟ فقال ابن عباس : هذا من القدر لا من القدرة، اي ظن ان لن نؤاخذه، ولن نضيق عليه
[ فنادى في الظلمات ] اي نادى ربه في ظلمة الليل، وهو في بطن الحوت، جمعت هنا (الظلمات ) لانها ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت
[ أن لا إله إلا أنت ] اي نادى ان لا معبود غيرك يا رب