[ لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ] أي لما تابوا عن الكفر وآمنوا بالله، رفعنا عنهم العذاب المخزي المهين في الحياة الدنيا
[ ومتعناهم إِلى حين ] اي اخرناهم إِلى انتهاء آَجالهم، قال قتادة : روي ان يونس أنذرهم بالعذاب ثم خرج من بين أظهرهم، فلما فقدوا نبيهم وظنوا ان العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبة والندم على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب
[ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ] أي لو أراد الله لآمن الناس جميعا، ولكن لم يشأ ذلك، لكونه مخالفا للحكمة، فإِنه تعالى يريد من عباده إيمان الاختيار، لا إِيمان الإكراه والاضطرار
[ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ] ؟ أي أفأنت يا محمد تكره الناس على الإيمان، وتضطرهم إِلى الدخول في دينك ؟ ليس ذلك إليك، والآية تسلية له (ص) وترويح لقلبه مما كان يحرص عليه من إيمانهم، قال ابن عباس : كان النبى (ص) حريصا على إيمان جميع الناس، فأخبره تعالى أنه لا يؤمن إِلا من سبقت له السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إِلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول
[ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ] اي ما كان لأحد ان يؤمن إلا بإرادته تعالى وتوفيقه
[ ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ] أي ويجعل العذاب على الذين لا يتدبرون آيات الله، ولا يستعملون عقولهم فيما ينفع
[ قل انظروا ماذا في السموات والأرض ] أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار : انظروا نظر تفكر واعتبار، ما الذي في السموات والأرض، من الآَيات الدالة على وحدانيته، وكمال قدرته سبحانه ؟
[ وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ] اي وما تنفع الآيات والإنذارات قوما سبق لهم من الله الشقاء
[ فهل ينتظرون إلا مثلَ أيام الذين خلوا من قبلهم ] أي فهل ينتظر مشركو مكة إلا أن نهلكهم مثل ما أهلكنا اسلافهم، وما حل بهم من العذاب والنكال ؟
[ قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ] أي قل لهم يا محمد : انتظروا عاقبة البغي والتكذيب، إني من المنتظرين هلاككم ودماركم
[ ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك ] أي ثم إذا نزل العذاب بالمكذبين، ننجى الرسل والمؤمنين إِنجاء مثل ذلك الإنجاء
[ حقاً علينا ننج المؤمنين ] أي حقا ثابتا علينا من غير شك، قال الربيع بن أنس : خوفهم عذابه ونقمته، ثم اخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر، انجى الله رسله والذين آمنوا معه
[ قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من دينى ] اي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك إن كنتم في شك من حقيقة ديني وصحته
[ فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ] أي فلا أعبد ما تعبدون من الاوثان والأصنام، التي لا تنفع ولا تضر
[ ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ] اي ولكني اعبد الله الذي يتوفاكم، وبيده محياكم ومماتكم، قال الطبري : وهذا تعريض ولحن من الكلام لطيف، وكأنه يقول : لا ينبغي لكم ان تشكوا في ديني، وانما ينبغي أن تشكوا في عبادة الأصنام التي لا تعقل، ولا تضر ولا تنفع، فأما إلهى الذي أعبده، فهو الذي يقبض الخلق وينفع ويضر
[ وأمرت أن أكون من المؤمنين ] أي وانا مأمور بأن اكون مؤمنا موحدا لله لا أشرك معه غيره
[ وأن أقم وجهك للدين حنيفا ] اي وامرت بالاستقامة في الدين، على الحنيفية السمحة ملة إِبراهيم
[ ولا تكونن من المشركين ] اي ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه
[ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ] تأكيد للنهي المذكور، أي ولا تعبد غير الله مما لا ينفع ولا يضر كالآلهة والأصنام
[ فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ] أي فإن عبدت تلك الآلهة المزعومة كنت ممن ظلم نفسه، لأنك عرضتها لعذاب الله، والخطاب هنا للرسول (ص) والمراد غيره كما تقدم