[ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ] أي وطائفة من الناس، يخاصم وينازع في قدرة الله وصفاته بغير دليل ولا برهان، ويقول ما لا خير فيه من الأباطيل، نزلت في (النضر بن الحارث ) كان مجادلا يقول : الملائكة بناتُ الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت، والآية عامة له ولأضرابه من العُتاة المتمردين
[ ويتبع كل شيطان مريد ] أي يطيع ويقتدي بكل عاتِ متمرد، كرؤساء الكفر الصادين عن الحق
[ كُتب عليه أنه من تولاه ] أي حكم الله وقضى أنه من تولى الشيطان واتخذه وليا
[ فأنه يضله ويهديه الى عذاب السعير ] أي فأن الشيطان يغويه ويسوقه إلى عذاب جهنم المستعرة، وعبر بلفظ [ ويهديه ] على سبيل التهكم، ولما ذكر تعالى المجادلين في قدرة الله، المنكرين للبعث والنشور، ذكر دليلين واضحين على إمكان البعث، أحدهما : في الإنسان، والثاني في النبات فقال سبحانه :
[ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ] أي إن شككتم في قدرتنا على إحيائكم بعد موتكم، فأنظروا في أصل خلقكم ليزول ريبكم، فقد خلقنا أصلكم (آدم ) من الأرض، والقادر على ذلك قادر على أن يخرجكم من قبوركم
[ ثم من نطفة ] أي ثم جعلنا نسله من المني، الذي ينطف من صلب الرجل، قال القرطبي : والنطف : القطر سمي نطفة لقلته
[ ثم من علقة ] وهو الدم الجامد الذي يشبه العلقة، التي تظهر حول الأحواض والمياه
[ ثم من مضغة ] أي من قطعة متجمدة مقدار ما يمضغ
[ مخلقة وغير مخلقة ] أي مستبينة الخلق مصورة وغير مصورة، قال ابن زيد : المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء
[ لنبين لكم ] أي خلقناكم على هذا النموذج البديع لنبين لكم أسرار قدرتنا وحكمتنا، قال الزمخشري : أي لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانيا، ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على أن يجعل النطفة علقة، وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة، والمضغة عظاما، قادر على إعادة ما بدأه، بل هذا أدخل في القدرة، وأهون في القياس
[ ونقر في الأرحام ما نشاء ] أي ونثبت من الحمل في أرحام الأمهات، من أردنا أن نُقره فيها حتى يتكامل خلقه
[ إلى أجل مسمى ] أي إلى زمن معين هو وقت الوضع
[ ثم نخرجكم طفلا ] أي ثم نخرج هذا الجنين، طفلا ضعيفا في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، ثم نعطيه القوة شيئأ فشيئا
[ ثم لتبلغوا أشدكم ] أي كمال قوتكم وعقلكم
[ ومنكم من يتوفى ] أي ومنكم من يموت في ريعان شبابه
[ ومنكم من يرد الى أرذل العمر ] أي ومنكم من يُعمر حتى يصل إلى الشيخوخة والهرم، وضعف القوة والخرف
[ لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ] أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولة، من ضعف البنية، وسخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه وينكر ما عرفه، ويعجز عما قدر عليه كما قال تعالى :[ ومن نعمره ننكسه في الخلق ]
[ وترى الأرض هامدة ] هذه هي الحجة الثانية على (إمكان البعث ) أي وترى أيها المخاطب، وأيها الإنسان العاقلُ، الأرض يابسة ميتة لا نبات فيها
[ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ] أي فإذا أنزلنا عليها المطر، تحركت بالنبات وأنتفخت وزادت وحييت بعد موتها
[ وأنبتت من كل زوج بهيج ] أي وأخرجت من كل صنف عجيب، ما يسر الناظر ببهائه ورونقه
[ ذلك بأن الله هو الحق ] أي ذلك المذكور من خلق الإنسان والنبات لتعلموا أن الله هو الخالق المدبر، وأن ما في الكون من آثار قدرته، وشاهد بأن الله هو الحق
[ وأنه يحي الموتى ] أي وبأنه القادر على إحياء الموتى، كما أحيا الأرض الميتة بالنبات
[ وأنه على كل شيء قدير ] أي ولأنه قادر على ما أراد


الصفحة التالية
Icon