[ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ] أي من كان يظن أن لن ينصر الله رسوله (ص) في الدنيا والآخرة (( للمفسرين في معنى الآية قولان : الأول أن الضمير في " ينصره " للرسول (ص) والمعنى على هذا : من كان من الكفار يظن أن لن ينصر الله محمدا فليختنق بحبل فإن الله ناصره لابد، وهذا ما رجحه ابن كثير، والثاني ان الضمير يعود على الإنسان نفسه والمعنى : من ظن بسبب ضيق صدره وكثرة غمه أن لن ينصره الله فليختنق وليمت بغيظه، وهذا ما رجحه صاحب التسهيل ))
[ فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ] أي فليمدد بحبل إلى السقف، ثم ليقطع عنقه وليختنق به
[ فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ] أي فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ ؟ قال ابن كثير : وهذا القول قول ابن عباس وهو أظهر في المعنى، وأبلغ في التهكم، فإن المعنى : من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه، إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة
[ وكذلك أنزلنا آيات بينات ] أي ومثل ذلك الإنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة، أنزلنا القرآن الكريم كله آيات واضحات الدلالة على معانيها الرائقة
[ وأن الله يهدي من يريد ] أي وأن الله هو الهادي لا هادي سواه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
[ إن الذين آمنوا ] أي صدقوا الله ورسوله وهم أتباع محمد عليه السلام
[ والذين هادوا ] أي اليهود وهم المنتسبون إلى موسى عليه السلام
[ والصابئين ] هم قوم من أهل الكتاب عبدوا النجوم
[ والنصارى ] هم المنسوبون إلى ملة عيسى عليه السلام
[ والمجوس ] هم عبدة النيران
[ والذين أشركوا ] هم العرب عبدة الأوثان
[ إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ] أي يقضي بين المؤمنين وبين الفرق الخمسة الضالة، فيدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار
[ إن الله على كل شيء شهيد ] أي شاهد على أعمال خلقه، عالم بكل ما يعملون
[ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض ] أي يسجد لعظمته كل شيء، طوعا وكرها، الملائكة في أقطار السموات، والإنس والجن وسائر المخلوقات في العالم الأرضي
[ والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ] أي وهذه ا لأجرام العظمى، مع سائر الجبال والأشجار والحيوانات، تسجد لعظمته سجود انقياد وخضوع، قال ابن كثير : وخَص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله، فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة. والغرض من الآية : بيان عظمته تعالى وإنفراده بألوهيته وربوبيته بانقياد هذه العوالم العظمى له، وجريها على وفق أمره وتدبيره
[ وكثير من الناس ] أي وسجد له كثير من الناس، سجود طاعة وعبادة
[ وكثير حق عليه العذاب ] أي وكثير من الناس وجب له العذاب بكفره واستعصائه
[ ومن يهن الله فما له من مكرم ] أي من أهانه الله بالشقاء والكفر، فلا يقدر أحد على دفع الهوان عنه
[ إن الله يفعل ما يشاء ] أي يعذب ويرحم، ويعز ويذل، ويُغني ويُفقِر، ولا اعتراض لأحد عليه.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - التشبيه البليغ المؤكد [ وترى الناس سكارى ] أي كالسكارى من شدة الهول، حذفت أداة التشبيه والشبه.
٢ - الاستعارة [ شيطان مريد ] استعار لفظ الشيطان لكل طاغية متمرد على أمر الله تعالى.
٣ - الطباق بين [ يضله.. ويهديه ].
٤ -أسلوب التهكم [ ويهديه إلى عذاب السعير ] لأن الهداية تكون لما فيه الخير، لا إلى الشر ونار الجحيم.
٥ - طباق السلب [ مخلقة وغير مخلقة ].
٦ - الاستعارة اللطيفة [ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ] شبه الأرض بنائم لا حركة له، ثم يتحرك وينتعش وتدب فيه الحياة كالأرض تحيا بنزول المطر عليها ففيها استعارة تبعية.