[ يصهربه ما في بطونهم والجلود ] أي يذاب به ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء مع الجلود، قال ابن عباس : لو سقطت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها، وفي الحديث :(إن الحميم ليُصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه، حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان )، قال الإمام الفخر : والغرض أن الحميم إذا صُب على رءوسهم كان تأثيره في الباطن مثل تأثيره في الظاهر، فيذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله :[ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ]
[ ولهم مقامع من حديد ] أي ولهم مطارق وسياط من الحديد يضربون بها ويدفعون وفي الحديث :(لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها)، أي ما استطاعوا رفعها وحملها
[ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ] أي كلما أراد أهل النار الخروج من النار من شدة غمها ردوا إلى أماكنهم فيها قال الحسن : أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفا
[ وذوقوا عذاب الحريق ] أي يقال لهم : ذوقوا عذاب جهنم المحرق الذي كنتم به تكذبون، ولما ذكر تعالى ما أعد للكفار من العذاب والدمار، ذكر ما أعده للمؤمنين من الثواب والنعيم فقال سبحانه :
[ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار ] أي يدخل المؤمنين الصالحين في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار العظيمة المتنوعة
[ يحلون فيها من أساور من ذهب ] أي تلبسهم الملائكة في الجنة الأساور الذهبية كحلية وزينة يتزينون بها
[ ولؤلؤا ] أي وُيحَلون باللؤلؤ كذلك إكراماً من الله لهم
[ ولباسهم فيها حرير ] أى ولباسهم في الجنة الحرير، ولكنه أعلى وأرفع مما في الدنيا بكثير
[ وهدوا الى الطيب من القول ] أي أرشدوا الى الكلام الطيب والقول النافع إذ ليس في الجنة لغو ولا كذب
[ وهدوا الى صراط الحميد ] أي إلى صراط الله وهو (الجنة) دار المتقين، ثم عدد تعالى بعض جرائم المشركين فقال تعالى :
[ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ] أي جحدوا بما جاء به محمد(ص)، ويمنعون المؤمنين عن إتيان المسجد الحرام لآداء المناسك فيه، قال القرطبي : وذلك حين صدوا رسول الله (ص)، عن المسجد الحرام عام الحديبية، وأنما قال :[ ويصدون ] بصيغة المضارع ليدل على الاستمرار فكان المعنى : إن الذين كفروا من شأنهم الصد عن سبيل الله، ونظيره قوله :[ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ]
[ الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ] أي الذى جعلناه منسكا ومتعبدا للناس جميعا سواء فيه المقيم الحاضر، والذى يأتيه من خارج البلاد
[ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ] أي ومن يرد فيه سوءا أو ميلا عن القصد، أو يهم فيه بمعصية
[ نذقه من عذاب أليم ] أي نذقه أشد أنواع العذاب الموجع، قال ابن مسعود : لو أن رجلا بِعدَنَ همَّ بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذابا أليما، وقال مجاهد : تضاعف السيئات فيه كما تضاعف فيه الحسنات
[ واذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ] أي واذكر حين أرشدنا إبراهيم وألهمناه مكان البيت
[ أن لا تشرك بي شيئا ] أي أمرناه ببناء البيت العتيق خالصا لله تعالى قال ابن كثير : أي ابنه علي إسمي وحدي
[ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ] أى طهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يعبد الله فيه بالطواف والصلاة، قال القرطبي : والقائمون هم المصلون، ذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود


الصفحة التالية
Icon