[ وأذن في الناس بالحج ] أى وناد في الناس داعيا لهم لحج بيت الله العتيق، قال ابن عباس : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت، قيل له : أذن في الناس بالحج، قال يا رب : وما يبلغ صوتي ؟ قال : أذن وعلي الإبلاغ فصعد إبراهيم على جبل (أبي قبيس) وصاح : يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النارفحجوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال، وأرحام النساء : لبيك اللهم لبيك، وهذا هو السر في شروعية التلبية
[ يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ] أي يأتوك مشاة على أقدامهم أو ركبانا على كل جمل هزيل، قد أتعبه وأنهكه بُعدُ المسافة
[ يأتين من كل فج عميق ] أى تأتي الإبل الضامرة من كل طريق بعيد، قال القرطبي : ورد الضميرَ إلى الإبل [ يأتين ] تكرمة لها لقصدها الحج مع أربابها، كما قال تعالى :[ والعاديات ضبحا ] في خيل الجهاد، تكرمة لها حين سعت في سبيل الله
[ ليشهدوا منافع لهم ] أي ليحضروا منافع لهم كثيرة دينية ودنيوية، قال الفخر الرازي : وإنما نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة، دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات
[ ويذكروا إسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ] أي ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا إسم الله في أيام النحر شكرا لله على نعمائه، وعلى ما رزقهم وملكهم من الأنعام وهي :(الإبل والبقر والغنم والمعز)، قال الرازي : وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي ذكر إسمه تعالى عند الذبح وأن يخالف المشركين في ذلك، فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان
[ فكلوا منها ] أي كلوا من لحوم الأضاحي
[ وأطعموا البائس الفقير ] أي أطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة، والفقير الذي أضعفه الإعسار، قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك، ثيابه نقية، ووجهه وجه غني
[ ثم ليقضوا تفثهم ] أي ثم بعد الذبح ليزيلوا وسخهم الذى أصابهم بالإحرام، وذلك بالحلق والتقصير لإزالة الشعَث وقص الشارب والأظافر
[ وليوفوا نذورهم ] أي ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر طاعة لله
[ وليطوفوا بالبيت العتيق ] أي ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإفاضة، وهو (طواف الزيارة) الذي به تمام التحلل، و(العتيق ) : القديم سمي به لأنه أول بيت وضع للناس
[ ذلك ] أي الأمر والشأن ذلك، قال الزمخشري : كما يُقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا
[ ومن يعظم حرمات الله ] أي من يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين، ويجتنب المعاصي والمحارم
[ فهو خير له عند ربه ] أي ذلك التعظيم خير له ثوابا في الآخرة
[ وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ] أي أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة، وما ذبح لغير الله، وغير ذلك
[ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ] أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، كما تُجتَنب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها
[ واجتنبوا قول الزور ] أي واجتنبوا شهادة الزور
[ حنفاء لله غير مشركين به ] أي مائلين إلى الحق، مسلمين لله غير مشركين به أحدا
[ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير ] هذا تمثيل للمشرك في ضلاله وهلاكه، أي ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء، فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق
[ أو تهوي به الريح في مكان سحيق ] أي أو كمن عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة
[ ذلك ومن يعظم شعائر الله ] أي ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال، ومن يعظم أمور الدين، ومنها أعمالُ الحج والأضاحي والهدايا


الصفحة التالية
Icon