[ ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا ] أي ومساجد المسلمين التي يعبد فيها الله بكرة وأصيلا، ومعني الآية : أنه لولا كفه تعالى المشركين بالمسلمين، وإذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين، لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم، فهدموا موضع عباداتهم، ولم يتركوا للنصارى بيعا، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود كنائس، ولا للمسلمين مساجد، ولغلب المشركون أهل الأديان، وإنما خص المساجد بهذا الوصف [ يذكر فيها إسم الله كثيراً ] تعظيما لها وتشريفا لأنها أماكن العبادة الحقة
[ ولينصرن الله من ينصره ] قَسَم أي والله سينصر الله من ينصر دينه ورسوله
[ إن الله لقوي عزيز ] أي إنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، عزيز لا يُقهر ولا يغلب، قال ابن كثير : وصف تعالى نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب
[ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ] قال ابن عباس : هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، والمعنى : هؤلاء الذين يستحقون نصرة الله، هم الذين إن جعلنا لهم سلطانا في الأرض وتملكا وإستعلاء، عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وآداء الزكاة
[ وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ] أي دعوا الى الخير، ونهوا عن الشر
[ ولله عاقبة الأمور ] أي مرجع الأمور الى حكمه تعالى وتقديره
[ وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ] تسلية للرسول (ص) ووعيد للمشركين أي إن كذبك أهل مكة، فاعلم أنك لست أول رسول يكذبه قومه، فقد كان قبلك أنبياء كُذبوا فصبروا إلى أن أهلك الله المكذبين، فاقتد بهم واصبر
[ وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين ] أي وكذب كذلك قوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب
[ وكذب موسى ] أي وكذب موسى أيضا مع وضوح آياته، وعظم معجزاته فما ظنك بغيره ؟
[ فأمليت للكافرين ثم أخذتهم ] أي أمهلتهم ثم أخذتهم بالعقوبة
[ فكيف كان نكير ] استفهام تقريري أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب ؟ ألم يكن أليماً ؟ ألم أبدلهم بالنعمة نقمة، وبالكثرة قلة، وبالعمارة خرابا ؟ فكذلك أفعل بالمكذبين من أهل مكة
[ فكأين من قرية أهلكناها ] أي كم من قرية أهلكنا أهلها بالعذاب الشامل
[ وهي ظالمة ] أي وهي مشركة كافرة
[ فهي خاوية على عروشها ] أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها، فسقطت فوق السقوف فهي مخربة مهدمة
[ وبئر معطلة ] أي وكم من بئر عُطلت فتُركت، لا يستقى منها لهلاك أهلها
[ وقصر مشيد ] أي وكم من قصر مرفوع البنيان، أصبح خاليا بلا ساكن، أليس في ذلك عبرة للمعتبر ؟
[ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ] أي أفلم يسافر أهل مكة ليشاهدوا مصارع الكفار، فيعتبروا بما حل بهم من النكال والدمار! ! وهلا عقلوا ما يجب أن يُعقل من الإيمان والتوحيد !
[ أو آذان يسمعون بها ] أي أو تكون لهم آذان يسمعون بها المواعظ والزواجر
[ فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ] أي ليس العمى على الحقيقة عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة، فمن كان أعمى القلب لا يعتبر ولا يتدبر، وذِكرُ الصدور للتأكيد ونفي توهم المجاز
[ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ] أي ويستعجلك يا أيها الرسولُ هؤلاء المشركون بالعذاب استهزاءَ، وإن ذلك واقع لا محالة، لكن لوقوعه أجل لا يتعداه لأنه تعالى لا يخلف الميعاد
[ و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ] أي هو تعالى حليم لا يعجل العقوبة، فإن مقدار (ألف سنة) عند خلقه، كيوم واحد عنده، بالنسبة إلى حلم الله تعالي، فلِم إذا يستبعدونه ويستعجلون العذاب ؟ ولهذا قال بعد ذلك
[ وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ] أي وكثير من أهل قرية أخرتُ إهلاكهم، وأمهلتهم مع استمرارهم على الظلم، فاغتروا بذلك التأخير