[ ألقى الشيطان في أمنيته ] أي ألقى الشيطان فيما يشتهيه ويتمناه بعض الوساوس التي توجب اشتغاله بالدنيا، كما قال عليه السلام ( إنه ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة)، قال الفراء : تمنى إذا حدث نفسه وفي البخاري : قال ابن عباس :" إلا إذا تمني ألقى الشيطان في أمنيته " إلا إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته، ويقال : أمنيته : قراءته، قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية وأجَله، ومعنى الآية : وما أرسلنا رسولا ولا نبيا فحدث نفسه بشيء، وتمنى لأمته الهداية والإيمان، إلا ألقى الشيطان الوساوس والعقبات في طريقه، بتزيين الكفر لقومه وإلقائه في نفوسهم مخالفة لأمر الرسول، وكأن الآية تسلية للرسول (ص) تقول له : لا تحزن يا محمد على معاداة قومك لك فهذه سنة المرسلين (( هذا أصح ما قيل في تفسير الآية وهو اختيار المحققين من المفسرين، وأما قصة الغرانيق التي أولع بذكرها بعض المفسرين فهي باطلة مردودة، وهي أن الرسول عليه السلام قرأ سورة ﴿والنجم اذا هوى﴾ بمحضر من المشركين والمسلمين فلما بلغ ﴿أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى﴾ ألقى الشيطان على لسانه " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " ففرح بذلك المشركون ولما انتهى من السورة سجد وسجد معه المشركون إلخ قال ابن العربي : إن جميع ما ورد في هذه القصة باطل لا أصل له وقال ابن إسحاق : هي من وضع الزنادقة وقال البيهقي : رواتها مطعون فيهم وقال ابن كثير : ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق وهي روايات مرسلات ومنقطعات لا تصح وقال القاضي عياض : هذا حديث لم يخرجه أحد من اهل الصحة ولا رواه أحد بسند متصل سليم، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون، المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم. أقول : مما يدل على بطلان القصة قوله تعالى في نفس السورة ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى﴾ فكيف نطق المعصوم بمثل هذا الذى يزعمونه ! سبحانك هذا بهتان عظيم )).
[ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ] أي يزيل ويبطل الله ما يلقيه الشيطان من الوساوس والأوهام
[ ثم يحكم الله آياته ] أي يثبت في نفس الرسول(ص) آياته الدالة على الوحدانية والرسالة
[ والله عليم حكيم ] أي مبالغ في العلم، حكيم يضع الأشياء في مواضعها، قال أبو السعود : وفي الآية دلالة على جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام، وتطرق الوسوسة إليهم
[ ليجعل ما يلقي الشيطان ] أي ليجعل تلك الشبه والوساوس التي يلقيها الشيطان
[ فتنة للذين في قلوبهم مرض ] أي فتنة للمنافقين الذين في قلوبهم شك وإرتياب
[ والقاسية قلوبهم ] أي وفتنة للكافرين الذين لا تلين قلوبهم لذكر الله، وهم خواص من الكفار عتاة كأبي جهل، والنضر، وعتبة
[ وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ] أي وإن هؤلاء المذكورين من المنافقين والمشركين، في عداوة شديدة لله ولرسوله، ووصف الشقاق بلفظ [ بعيد ] لأنه في غاية الضلال والبعدِ عن الخير
[ وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ] أي وليعلم أهل العلم أن القرآن هو الحق النازل من عند الله تعالى
[ فيؤمنوا به ] أي يؤمنوا بهذا القرآن
[ فتخبت له قلوبهم ] أي تخشع وتسكن له قلوبهم بخلاف من في قلبه مرض
[ وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ] أي مرشد المؤمنين إلى الصراط المستقيم، ومنقذهم من الضلالة والغواية
[ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ] أي ولا يزال هؤلاء المشركون في شك وريب من هذا القرآن


الصفحة التالية
Icon