٧ - الاستعارة البديعة [ أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ] وهذا من أحسن الإستعارات، لأن العقيم المرأة التي لا تلد، فكأنه سبحانه وصف ذلك اليوم بأنه لا ليل بعده ولا نهار لأن الزمان قد مضى والتكليف قد إنقضي، فجعلت الأيام بمنزلة الولدأن لليالى، وجعل ذلك اليوم من بينها (عقيما) على طريق الاستعارة المكنية.
قال الله تعالى :[ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء.. ] إلي قوله [ فنعم المولى ونعم النصير ]. من آية (٦٣) إلى آيه (٧٨) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لقد ذكر تعالى دلائل قدرته الباهرة من أيلاج الليل في النهار والنهار في الليل، ونبه به على نعمه، أتبعه منا بأنواع أخر من الدلائل على قدرته وحكمته، وجعلها كالمقدمة لإثبات البعث والمعاد، وختم السورة بدعوة المؤمنين إلى عبادة الله الواحد الأحد.
اللغة :
[ سطانأ ] حجة وبرهانا
[ يسطون ] يبطشون، والسطوة : القهر وشدة البطش يقال : سطا يسطو إذا بطش به
[ يسلبهم ] سلب الشيء : اختطفه بسرعة
[ قدروا ] عظموا
[ بصطفي ] يجتبي ويختار
[ حرج ] ضيق
[ مله ] الملة : الدين.
التفسير :
[ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ] إستفهام تقريري أى ألم تعلم أيها السامع أن الله بقدرته أنزل من السحاب المطر ؟
[ فتصبح الأرض مخضرة ] أي فأصبحت الأرض منتغشة خضراء، بعد يبسها ومحولها، وجاء بصيغة المضارع [ فتصبح ] لاستحضار الصورة، وإفادة بقائها مخضرة نضِرة مدة من الزمن
[ أن الله لطيف خبير ] قال ابن عباس : لطيف بأرزاق عباده، خبير بما في قلوبهم من القنوط، والغرض من الآية إقامة الدليل على كمال قدرته، وعلى البعث والنشور، فمن قدر على إخراج النبات من الأرض الميتة، قادر على إعادة الحياة بعد الموت، ولهذا قال :[ وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ] فجعله كدليل واضح على القدرة
[ له ما في السموات وما في الأرض ] أي جميع ما في الكون ملكه جل وعلا، خلقا وملكا وتصرفا، والكل محتاج إلى تدبيره وفضله
[ وإن الله لهو الغني الحميد ] أي هو تعالى غني عن الأشياء كلها لا يحتاج لأحد، وهو المحمود في كل حال على الدوام
[ ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ] تذكير بنعمة أُخرى، أي ألم تر أيها العاقل أن الله سخر لعباده جميع ما يحتاجون إليه، من الحيوانات والأشجار والأنهار والمعادن
[ والفلك تجري في البحر بأمره ] أي وسخر السفن العظيمة المثقلة بالأحمال والرجال، تسير في البحر لمصالحكم بقدرته ومشيئته
[ ويمسك السماء أن تقع على الأرض ] أى ويمسك بقدرته السماء كي لا تقع على الأرض فيهلك من فيها
[ إلا بإذنه ] أي إلا إذا شاء وذلك عند قيام الساعة
[ إن الله بالناس لرءوف رحيم ] أي وذلك من لطفه بكم ورحمته لكم حيث هيأ لكم أسباب المعاش فاشكروا اَلاءه
[ وهو الذي أحياكم ] أي أحياكم بعد أن كنتم عدماً
[ ثم يميتكم ] أي يميتكم عند إنتهاء آجالكم
[ ثم يحييكم ] أي بعد موتكم للحساب والثواب والعقاب
[ إن الإنسان لكفور ] أي مبالغ فى الجحود لنعم الله، قال ابن عباس : المراد (بالإنسان ) الكافر، والغرض من الآيات توبيخ المشركين كأنه يقول : كيف تجعلون لله أندادا، وتعبدون معه غيره ؟ وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف ! !
[ لكل أمة جعلنا منسكا ] أي لكل نبي أرسلناه إلى أمة من الأمم السابقين، وضعنا لهم شريعة ومتعبدا ومنهاجا كقوله :[ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ]
[ هم ناسكوه ] أي هم عاملون به أي بذلك الشرع
[ فلا ينازعنك في الأمر ] أي لا ينازعك أحد من المشركين، فيما شرعتُ لك ولأمتك، فقد كانت الشرائع في كل عصر وزمان، وهو نهي يراد به النفي أي لا ينبغي منازعة النبي (ص)، لأن الحق قد ظهر وبان، بحيث لا يسع النزاع فيه