[ وإنا على ذهاب به لقادرون ] وعيد وتهديد أي ونحن قادرون على إذهابه، بالتغوير في الأرض، فتهلكون عطشا أنتم ومواشيكم ! ! قال ابن كثير : لو شئنا لجعلناه إذا نزل يغور في الأرض، إلى مدى لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه تعالى ورحمته، ينزل عليكم المطر من السحاب عذبا فراتاً، فيسكنه في الأرض، ويسلكه ينابيع فيها، فيفتح العيون والأنهار، ويسقي الزروع والثمار، قتشربون منه أنتم ودوابكم وأنعامكم
[ فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ] أي فأخرجنا لكم بذلك الماء حدائق وبساتين، فيها النخيل والأعناب
[ لكم فيها فواكه كثيرة ] أي لكم في هذه البساتين أنواع الفواكه والثمار لتتفكهون بها
[ ومنها تأكلون ] أي ومن ثمرات البساتين والجنات، تأكلون صيفا وشتاء كالرطب والعنب والتمر والزبيب، وإنما خص النخيل والأعناب بالذكر، لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام، ومقام الإدام، ومقام الفواكه رطبا ويابسا، وهما أكثر فواكه العرب
[ وشجرة تخرج من طور سيناء ] أي ومما أنشأنا لكم بالماء أيضاً شجرة الزيتون، التي تخرج حول جبل الطور، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى
[ تنبت بالدهن ] أي تُنبت الدهن أى الزيت الذي فيه منافع عظيمة
[ وصبغ للآكلين ] أي وإدام للآكلين، سمي (صِبغا) لأنه يلوًن الخبز إذا غُمس فيه، جمع الله في هذه الشجرة بين الإدم والدهن، وفي الحديث :(كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة)
[ وإن لكم في الأنعام لعبرة ] أي وإن لكم أيها الناس فيما خلق لكم ربكم من الأنعام، وهي (الإبل والبقر والغنم ) لعظة بالغة تعتبرون بها
[ نسقيكم مما في بطونها ] أي نسقيكم من ألبانها، من بين فرث ودم لبناَ خالصا سائغا للشاربين
[ ولكم فيها منافع كثيرة ] أي ولكم في هذه الأنعام منافع عديدة : تشربون من ألبانها، وتلبسون من أصوافها، وتركبون ظهورها، وتحملون عليها الأحمال الثقال
[ ومنها تأكلون ] أي وتأكلون لحومها كذلك
[ وعليها وعلى الفلك تحملون ] أي وتحمَلون على الإبل في البر، كما تُحمَلون على السفن في البحر، فإن الإبل سفائن البر كما أن الفلك سفائن البحر.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الإخبار بصيغة الماضي لإفادة الثبوت والتحقق [ قد أفلح المؤمنون ] كما أن [ قد ] لإفادة التحقيق أيضا.
٢ - التفصيل بعد الإجمال [ الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون.. ] الخ، فضل ما أجمله من صفات المؤمنين.
٣ - إنزال غير المُنكِر منزلة المنكِرِ [ ثم إنكم بعد ذلك لميتون ] الناس لا ينكرون الموت، ولكن غفلتهم عنه وعدم استعدادهم له بالعمل الصالح يعدان من علامات الإنكار، ولذلك نُزلوا منزلة المنكرين، وألقى الخبر مُوكدا بمؤكدين " إن " و " اللام "، وهذا ما يتفق مع الأسلوب البليغ.
٤ - الإستعارة اللطيفة [ سبع طرائق ] شبهت السموات السبع بطرائق النعل، التي يجعل بعضها فوق بعض بطريق الإستعارة.
٥ - أسلوب التهديد [ وإنا على ذهاب به لقادرون ] فيه إنذار وتهديد.
٦ - السجع غير المتكلف [ خاشعون، حافظون، عادون ] وكذلك [ طين، مكين، الخالقين ] وهو من المحسنات البديعية.
تنبيه :