ذكر تعالى في هذه الآيات من قوله :[ ولقد خلقنا الإنسان ] إلى قوله :[ وعلى الفلك تحملون ] أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى، الأول : تقلب الإنسان في أطوار الخلق، وهي تسعة آخرها البعث بعد الموت، الثاني : خلق السموات السبع بهذا الإبداع والإتقان، الثالث : إنزال الماء من السماء، الرابع : منافع الحيوانات وذكر منها أربعة أنواع (الإنتفاع بالألبان، وبالصوف، وباللحوم، وبالركوب ) وكلُها دلائل وبراهين، على وحدانية رب العالمين. !
فائدة :
روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :" كان إذا نزل على رسول الله (ص) الوحيُ، يُسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ذات يوم ساعة، فأستقبل القبلة ورفع يديه وقال :(اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تُؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا) ثم قال : لقد أنزل عليَّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ [ قد أفلح المؤمنون ] حتى ختم العشر.
قال الله تعالى :[ لقد أرسلنا نوحا إلى قومه.. ] إلى قوله [ وأنا ربكم فاتقون ]. من آية (٢٣) إلى نهاية آية (٥٢).
المناسبة :
لما ذكر تعالى دلائل التوحيد في خلق الإنسان، والحيوان، والنبات، وفي خلق السموات والأرض، وعدد نعمه على عباده، ذكر هنا أمثالا لكفار مكة من المكذبين من الأمم السابقة، وما نالهم من العذاب، فإبتدا أولا بذكر قصة نوح مع قومه، ثم بقصة هود، ثم بقصة موسى وفرعون، ثم بقصة عيسى ابن مريم، وكلها عبر وعظات، للمكذبين بالرسل والآيات.
اللغة :
[ جنة ] بكسر الجيم أي جنون
[ فتربصوا ] فإنتظروا والتربص : الإنتظار
[ مبتلين ] مختبرين
[ هيهات ] إسم فعل ماض بمعنى بَعُد، قال الشاعر : تذكرتُ أياما مَضَين من الصبَا وهيهاتَ هيهاتا إليك رجوعها
[ غثاء ] الغثاء : العشب إذا يبس، وغُثاء السيل : ما يحمله من الحشيش والقصب اليابس ونحوه
[ بعدا ] هلاكا، قال الرازي : بعدا وسُحقا ودمارا ونحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها، قال سيبويه : وهي منصوبة بأفعال لا يحسُن إظهارها، ومعنى
[ بعدا ] أي بعدوا بعدا أي هلكوا
[ قرونا ] أمما
[ تترى ] تتابع يأتي بعضهم إثر بعض
[ أحاديث ] جمع أُحدوثة كأُعجوبة وهي ما يتحدث به عجبا وتسلية
[ معين ] ماء جار ظاهر للعيون
[ ربوة ] الربوة : المكان المرتفع من الأرض.
التفسير :
[ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ] أي والله لقد أرسلنا رسولنا نوحا إلى قومه داعيا لهم إلى الله، قال المفسرون : هذه تعزية لرسول الله(ص)، بذكر هذا الرسول نوح عليه السلام، ليتأسى به في صبره، وليعلم إن الرسل قبله قد كُذبوا
[ فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ] أي اعبدوه وحده فليس لكم رب سواه
[ أفلا تتقون ] زجر ووعيد أي أفلا تخافون عقوبته بعبادتكم غيره ؟
[ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ] أي فقال أشراف قومه ورؤساؤهم الممعنون في الكفر والضلال
[ ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ] أي ما هذا الذي يزعم أنه رسول إلا رجل من البشر يريد أن يطلب الرياسة والشرف عليكم، بدعواه النبوة لتكونوا له أتباعا.. واعجب بضلال هؤلاء ؟ ! لقد استبعدوا أن تكون النبوة لبشر، وأثبتوا الربوبية لحجر! !
[ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ] أي لو أراد الله أن يبعث رسولا، لبعث ملكا ولم يكن بشرا
[ ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ] أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام في الأمم الماضية، والدهور الخالية
[ إن هو إلا رجل به جنة ] أي ما هو إلا رجل به جنون
[ فتربصوا به حتى حين ] أي انتظروا واصبروا عليه مدة حتى يموت
[ قال رب انصرني بما كذبون ] أي قال نوح بعد ما يئس من إيمانهم : رب انصرني عليهم بإهلاكهم عامة، بسبب تكذيبهم إياي