[ قال رب انصرني بما كذبون ] لما يئس نبيهم من إيمانهم ورأي إصرارهم علي الكفر دعا عليهم بالهلاك والمعنى : رب انصرني عليهم بسبب تكذيبهم إياي
[ قال عما قليل ليصبحن نادمين ] أي عن قريب من الزمان، سيصيرون نادمين على كفرهم
[ فأخذتهم الصيحة بالحق ] أي أخذتهم صيحة العذاب المدمر، عدلا من الله لا ظلما
[ فجعلناهم غثاءً ] أي هلكى كغثاء السيل، قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة، رجفت لها الأرض من تحتهم، فصاروا لشدتها غثاءً كغثاء السيل وهو الشيء التافه الحقير، الذي لا ينتفع منه بشيء
[ فبعداً للقوم الظالمين ] أي فسحقا وهلاكا لهم، لكفرهم وظلمهم، وهي جملة دعائية كأنه قال : بعدا لهم من رحمة الله، وهلاكا ودمارا لهم
[ ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ] أي أوجدنا من بعد هلاك هؤلاء، أمماً وخلائق آخرين، كقوم (صالح، وإبراهيم، وقوم لوط وشعيب )، قال ابن عباس : هم بنو إسرائيل، وفي الكلام حذفٌ تقديره : فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم، دل عليه قوله :
[ ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ] أي ما تتقدم أمة من الأمم المهلكة، عن الوقت الذي عُين لهلاكهم ولا تتأخر عنه
[ ثم أرسلنا رسلنا تترا ] أي بعثنا الرسل متتالين واحدا بعد واحد، قال ابن عباس : يتبع بعضهم بعضا
[ كلما جاء أمة رسولها كذبوه ] تشنيع عليهم بكمال ضلالهم أي أنهم سلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من سبقهم من الضالين المكذبين، ولهذا قال :
[ فأتبعنا بعضهم بعضا ] أي ألحقنا بعضهم في أثر بعض بالهلاك والدمار
[ وجعلناهم أحاديث ] أي أخبارا تُروى، وأحاديث تُذكر، يتحدث الناس بما جرى عليهم، تعجبا وتسلية
[ فبعدا لقوم لا يؤمنون ] أي فهلاكا ودمارا لقوم لا يصدقون الله ورسله
[ ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ] أي أرسلناهما بآياتنا البينات، قال ابن عباس : هي الآيات التسع (العصا، اليد، الجراد) الخ
[ وسلطان مبين ] أي وحجة واضحة ملزمة للخصم
[ إلى فرعون وملئه ] أي أرسلناهما إلى فرعون الطاغية وأشراف قومه المتكبرين
[ فاستكبروا ] أي عن الإيمان بالله وعبادته
[ وكانوا قوما عالين ] أي متكبرين متمردين، قاهرين لغيرهم بالظلم
[ فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ] أي أنصدق رجلين مثلنا ونتبعهما ؟
[ وقومهما لنا عابدون ] أي والحال أن قوم (موسى وهارون ) منقادون لنا كالخدم والعبيد ؟
[ فكذبوهما فكانوا من المهلكين ] أي فكذبوا رسولينا فكانوا من المغرقين في البحر
[ ولقد أتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون ] أي أعطينا موسى التوراة بعد غرق فرعون وملائه ليهتدي بها بنو إسرائيل
[ وجعلنا ابن مريم وأمه آية ] أي وجعلنا قصة (مريم ) وابنها (عيسى) معجزة عظيمة، تدل على كمال قدرتنا
[ وآويناهما إلى ربوة ] أي وجعلنا منزلهما ومأواهما إلى مكانٍ مرتفع من أرض بيت المقدس قال ابن عباس : الربوة المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات
[ ذات قرار ومعين ] أي مستوية يستقر عليها وماء جارٍ ظاهر للعيون، قال الرازي : القرار : المستقر وهو كل أرض مستوية مبسوطة، والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، وعن قتادة : ذات ثمار وماء، يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها
[ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ] أي قلنا يا أيها الرسل كلوا من الحلال وتقربوا إلى الله بالأعمال الصالحة، والنداء لكل رسول في زمانه وصيَ به كل رسول إرشادا لأمته، كما تقول وأنت تخاطب تاجرا : يا تجار اتقوا الربا
[ إني بما تعملون عليم ] وعيد وتحذير أي إني عالم بما تعملون، لا يخفى علي شيء من أمركم، قال القرطبي : شمل الكل في الوعيد، وإذا كان هذا مع الرسل والأنبياء، فما ظن كل الناس بأنفسهم ؟