[ وإن هذه أمتكم أمة واحدة ] أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد، وملتكم ملة واحدة، وهي دين الإسلام
[ وأنا ربكم فاتقون ] أي وأنا ربكم لا شريك لي، فخافوا عذابي وعقابي.
البلاغه :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الإستعارة البديعة [ اصنع الفلك بأعيننا ] عبر عن المبالغة في الحفظ والرعاية بالصنع على الأعين، لأن الحافظ للشيء في الأغلب يديم مراعاته بعينه فلذلك جاء بذكر الأعين، بدلا من ذكر الحفظ والحراسة على طريق الإستعارة التمثيلية.
٢ - الكناية [ وفار التنور ] كناية عن الشدة كقولهم : حمي الوطيس، وأطلق بعض العلماء التنور على وجه الأرض مجازا.
٣ - جناس الاشتقاق في قوله [ أنزلني منزلا ].
٤ - الطباق بين [ نموت ونحيا ] وكذلك بين [ تسبق.. ويستأخرون ].
٥ - الجناس الناقص [ أرسلنا رسلنا ] لتغيير بعض الحروف مع الشكل.
٦ - التشبيه البليغ [ فجعلناهم غثاء ] أي كالغثاء في سرعة زواله ومهانة حاله، حذف وجه الشبه وأداة التشبيه فصار بليغا.
٧ - أسلوب الإطناب [ الذين كفروا، وكذبوا بلقاء الآخرة، وأترفناهم في الحياة الدنيا ] ذماَ لهم وتسجيلا عليهم القبائح والشناعات.
٨ - السجع اللطيف مثل [ تتقون. تشربون. مخرجون ] ومثل [ عالين، المهلكين، قرار ومعين ].
فائدة :
لفظ البَشَر يطلق على الواحد والجمع، فمن إطلاقه على الواحد [ فتمثل لها بشرا سويا ] [ أنؤمن لبشرين مثلنا ] ؟ ومن إطلاقه على الجمع [ فإما ترين من البشر أحدا ] [ وما هي إلا ذكرى للبشر ] أفاده صاحب الكشاف.
قال الله تعالى :[ فتقطعوا أمرهم بينهم زُبرا.. ] إلى قوله [ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ]. من آية (٥٣ ) إلى نهاية آية ( ٧٤).
المناسبة :
لما ذكر تعالى قصص الأنبياء والمرسلين، أتبعه بذكر أخبار الكفرة المتمردين من أقوامهم، واختلافهم وتفرقهم في الدين حتى أصبحوا فرقا وأحزابا، ليجتنب الإنسان طرق أهل الضلال، وليجتنب الإختلاف والتنازع.
اللغة :
[ زبرا ] قطعا جمع زبور وهي القطعة من الفضة أو الحديد
[ غمرتهم ] الغَمرةُ : الحيرة والضلالة، وأصله في اللغة : الماء الذي يغمر القامة
[ يجأرون ] يضجون ويستغيثون وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع كما يفعل الثور
[ تنكصون ] النكوص : الرجوع إلى الوراء
[ ناكبون ] نكب عن الطريق نكوبا إذا عدل عنه ومال إلى غيره.
التفسير :
[ فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ] أي تفرقت الأمم في أمر دينهم فرقا عديدة، وأدياناً مختلفة، هذا مجوسي، وهذا يهودي، وهذا نصراني، بعدما أُمروا بالإجتماع
[ كل حزب بما لديهم فرحون ] أي كل فريق منهم مغتبط بما إتخذه دينا لنفسه، معجب به، يرى أنه المحق الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر
[ فذرهم في غمرتهم ] الخطاب للرسول (ص) والضمير لكفار مكة، أي فاترك يا أيها الرسول هؤلاء المشركين في غفلتهم وجهلهم وضلالهم
[ حتى حين ] أي إلى حين موتهم، وهذا تسلية لرسول الله (ص)، ووعيد للمشركين
[ أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ] أي أيظن هؤلاء الكفار أن الذي منحناهم في الدنيا من الأموال والأولاد
[ نسارع لهم في الخيرات ] أي هو تعجيل ومسارعة لهم في الإحسان ؟ كلا ليس الأمر كما يظنون، بل هو استدراج لهم، واستجرار إلى زيادة الإثم، ولهذا قال :