عن ابن عباس قال : نزلت في قصة " ثمامة بن أثال " لما أسرته السرية وأسلم وخلى رسول الله(ص) سبيله، حال بين أهل مكة وبين الميرة وقال : والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها رسول الله (ص)، وأخذ الله قريشا بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلاب والعلهز، قيل : وما العلهز ؟ قال : كانوا يأخذون الصوف والوبر فيبلونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه فقال ابو سفيان : أنشدك الله والرحم، أليس تزعم أن الله بعثك رحمة للعالمين ؟ قال : بلى، قال : فوالله ما أراك إلا قتلت الآباء بالسيف، وقتلت الأبناء بالجوع، فنزل قوله تعالى :[ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ] الآيات.
التفسير :
[ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ] أي لو رحمنا هؤلاء المشركين الذين كذبوك وعاندوك، ورفعنا عنهم ما أصابهم من قحط وجدب وكشفنا عنهم البلاء
[ للجوا في طغيانهم يعمهون ] أي لاستمروا وتمادوا في ضلالتهم وتجاوزهم الحد، يترددون ويتخبطون حيارى
[ ولقد أخذناهم بالعذاب ] أي إبتليناهم بالمصائب والشدائد وبالقحط والجوع
[ فما استكانوا لربهم ] أي ما خضعوا لله، ولا تواضعوا لجلاله
[ وما يتضرعون ] أي وما دعوا ربهم لكشف البلاء، بل استمروا على العتو والإستكبار، والغرضُ من الآية : أنه لم يحصل منهم تواضع ورجوع إلى الله في الماضي، ولا إلتجاء إلى الله في المستقبل، لشدة جبروتهم وطغيانهم
[ حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ] أي حتى إذا جاءتهم أهوال الآخرة، وآتاهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون
[ إذا هم فيه مبلسون ] أي إذا هم آيسون من كل خير، قال أبو السعود : المراد بالعذاب عذاب الآخرة كما ينبىء عنه التهويل والوصف بالشدة، والمعنى : إنا إمتحناهم بكل محنة من القتل، والأسر، والجوع، وغير ذلك فما رؤي منهم لين، ولا توجة إلى الإسلام، إلى أن يروا عذاب الآخرة فحينئذ يبلسون وتخضع رقابهم.. ثم ذكرهم تعالى بنعمه ودلائل وحدانيته فقال سبحانه :
[ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة ] أي خلق لكم هذه الحواس لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا، وفيه توبيخ للمشركين حيث لم يصرفوا النعم في مصارفها، لأن السمع خلق ليسمع به الإنسان ما يرشده، والبصر ليشاهد به الآيات الكونية في الآفاق، والعقل ليتأمل به في مصنوعات الله وباهر قدرته، فمن لم يصرف تلك النعم في مصارفها، فهو بمنزلة فاقدِها، كما قال تعالى :[ فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ] وخص تعالى هذه الثلاثة بالذكر (السمعَ والبصرَ والعقلَ ) لعظم المنافع التي فيها
[ قليلا ما تشكرون ] أي قليلا تشكرون ربكم، و[ ما ] لتأكيد القلة، أي ما أقلَّ شكركم لله، على كثرة أفضاله وإنعامه عليكم ؟
[ وهو الذي ذرأكم في الأرض ] أي خلقكم وبثكم في الأرض بطريق التناسل
[ وإليه تحشرون ] أي وإليه وحده تجمعون للجزاء والحساب
[ وهو الذي يحيي ويميت ] أي يُحيي الرمم ويميت الخلائق والأمم
[ وله إختلاف الليل والنهار ] أي إن إختلاف الليل والنهار، بالزيادة والنقصان، بفعله سبحانه وحده، ليقيم الدليل على وجوده وقدرته
[ أفلا تعقلون ] أي أفليس لكم عقول تدركون بها دلائل قدرته، وآثار قهره، فتعلمون أن من قدر على ذلك إبتداءً، قادر على إعادة الخلق بعد الفناء ؟
[ بل قالوا مثل ما قال الأولون ] " بل " للإضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات والعِبر، بل قال هؤلاء المشركون - من كفار مكة - مثل ما قال الأمم المتقدمون
[ قالوا أئذا متنا وكنا تراباً وعظاما أننا لمبعوثون ] ؟ أي أئذا بلينا وصرنا ذرات ناعمة، وعظاما نخرة أئنا لمخلوقون ثانية ؟ هذا لا يتصور ولا يكون أبدا


الصفحة التالية
Icon