[ لقد وعدنا نحن وآباونا هذا من قبل ] أي لقد وعدنا بهذا نحن ومن سبقنا، فلم نر له حقيقة
[ إن هذا إلا أساطير الأولين ] أي ما هذا إلا أكاذيب وأباطيل المتقدمين، ولما أنكروا البعث والنشور، أمر تعالى رسوله أن يفحمهم بالحجة الدامغة التي تقصم ظهر الباطل، فقال سبحانه :
[ قل لمن الأرض ومن فيها ] ؟ أي قل يا محمد جوابا لهم عما قالوه : لمن الأرض ومن فيها من المخلوقات ؟ ومن مَالكها ؟ والمتصرفُ فيها بالإيجاد والإفناء ؟
[ إن كنتم تعلمون ] أي إن كان عندكم علم فأخبروني بذلك، وفيه استهانة بهم وتقرير لجهلهم، قال القرطبي : يخبر تعالى في الآية بربوبيته ووحدانيته، وملكه الذي لا يزول، وقدرته التي لا تحول، ودلت هذه الآيات - وما بعدها - على جواز جدال الكفار وإقامة الحجة عليهم، ونبهت على أن من إبتدأ بالخلق والإيجاد، والإبداع، هو المستحق للألوهية والعبادة
[ سيقولون لله ] أي فسيقولون الله خالقها وموجدها، ولا بد لهم من الإعتراف بذلك
[ قل أفلا تذكرون ] ؟ أي أفلا تعتبرون فتعلمون أن من إبتدأ ذلك قادر على إعادته ؟
[ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ] ؟ أي من هو خالق السموات السبع الطباق ؟ بما فيها الشموس، والكواكب والأقمار ؟ ومن هو خالق العرش الكبير الذي تحمله الملائكة الأطهار ؟
[ سيقولون لله ] أي سيقولون : الله خالقه وهو لله
[ قل أفلا تتقون ] ؟ أي أفلا تخافون من عذابه فتوحدونه ؟ وتتركون عبادة غيره من الأوثان والأصنام ؟
[ قل من بيده ملكوت كل شيء ] الملكُوت من صفات المبالغة أي من بيده الملك الواسع التام ؟ ومن بيده خزائن كل شيء ؟ ومن هو المتصرف في هذه الأكوان بالخلق والإيجاد والتدبير ؟
[ وهو يجير ولا يجار عليه ] أي يحمي من إستجار به وإلتجأ إليه، ولا يغيث أحد منه أحدا
[ إن كنتم تعلمون ] أي إن كنتم تعلمون فأخبروني عن ذلك
[ سيقولون لله ] أي سيقولون : الملك كله والتدبيرُ لله جل وعلا
[ قل فأنى تسحرون ] أي قل لهم : فكيف تُخدعون وتُصرفون عن طاعته وتوحيده ؟ مع إعترافكم وعلمكم بأنه وحده المتصرف المالك ؟ قال أبو حيان : والسحر هنا مستعار، وهو تشبيه لما يقع منهم من التخليط، ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها، بما يقع للمسحور من التخبط والتخليط.. رتب هذه التوبيخات الثلاثة بالتدريج فقال أولا :[ أفلا تذكرون ] ؟ ثم قال ثانيا [ أفلا تتقون ] ؟ وذلك أبلغ لأن فيه زيادة تخويف، ثم قال ثالثا :[ فأنى تسحرون ] وفيه من التوبيخ ما ليس في غيره
[ بل آتيناهم بالحق ] أي بل جئناهم بالقول الصدق، في أمر التوحيد والبعث والجزاء
[ وإنهم لكاذبون ] أي كاذبون فيما ينسبون لله من الشركاء والأولاد.. ولمَّا بالغ في الحِجاج عليهم بالآيات السابقة، أعقبها بهذه الآية كالوعيد والتهديد، ثم بين بطلان الشريك والولد بالبرهان القاطع، فقال سبحانه :
[ ما إتخذ الله من ولد ] أي ما إتخذ الله ولداً مطلقا، لا من الملائكة ولا من البشر
[ وما كان معه من إله ] أي وليس معه من يشاركه في الألوهية والربوبية
[ إذا لذهب كل إله بما خلق ] أي لو كان معه إله - كما زعم عبدة الأوثان - لإنفرد كل إله بخلقه الذي خلق واستبد به، وتميز ملك كل واحد عن ملك الآخر
[ ولعلا بعضهم على بعض ] أي ولغلب بعضهم على بعض، كحال ملوك الدنيا، قال ابن كثير : المعنى لو قدر تعدد الآلهة، لإنفرد كل منهم بما خلق، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض، وما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم، متسق غاية الكمال، فدل على تنزه الله عن الولد والشريك.. ولهذا قال بعده :
[ سبحان الله عما يصفون ] أي تنزه الله وتقدس عما يصفه به الظالمون