[ عالم الغيب والشهادة ] أي هو تعالى العالم بما غاب عن الأنظار، وبما تدركه الأبصار، لا تخفى عليه خافية من شؤون الخلق
[ فتعالى عما يشركون ] أي تقدس وتنزه عن الشريك والولد
[ قل رب إما تريني ما يوعدون ] أي قل : يا رب إن كان لا بد، أن تُريَني ما تعدهم من العذاب في الدنيا
[ رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ] هذا جواب الشرط [ إما ] وكرر قوله :[ رب ] مبالغة في الدعاء والتضرع، أي يا رب فلا تجعلنى في جملة الظالمين، فأهلك بهلاكهم، قال أبو حيان : ومعلوم أنه عليه السلام معصوم مما يكون سببا لجعله مع الظالمين، ولكنه أمر أن يدعو بذلك، إظهارا للعبودية وتواضعا لله
[ وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ] أي ونحن قادرون على أن نريك العذاب الذي وعدناهم به، ولكن نؤخره لحكمة
[ ادفع بالتي هي أحسن السيئة ] أي ادفع إساءتهم بالصفح عنهم، وتجمل بمكارم الأخلاق، قال ابن كثير : أرشده إلى الترياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء إليه، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة، وبغضه محبة
[ نحن أعلم بما يصفون ] أي نحن أعلم بحالهم وبما يكون منهم من التكذيب والإستهزاء وسنجازيهم عليه
[ وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ] أي اعتصم بك من نزغات الشياطين، ووساوسهم المغرية على الباطل والمعاصي
[ وأعوذ بك رب أن يحضرون ] أي وأعتصم وأحتمي بك يا رب من أن يصيبوني بسوء، أو يكونوا معي في أموري ! ! كرر ذلك للمبالغة والإعتناء بشأن الإستعاذة
[ حتى إذا جاء أحدهم الموت ] عاد الكلام عن المشركين، أي حتى إذا حضر الموتُ أحدَهَم، وعاين أهواله وشدائده
[ قال رب ارجعون ] أي قال تحسرا على ما فرط منه : يا رب ردني إلى الدنيا، وصيغة الجمع [ إرجعون ] للتعظيم
[ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ] أي لكي اعمل صالحا فيما صنعت من عمري
[ كلا إنها كلمة هو قائلها ] " كلا " كلمة ردع وزجر أي لا رجوع إلى الدنيا فليرتدع عن ذلك، فإن طلبه للرجعة كلام لا فائدة فيه، ولا جدوى منه، وهو ذاهب أدراج الرياح
[ ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ] أي وأمامهم حاجز يمنعهم عن الرجوع إلى الدنيا - هو عالم البرزخ - الذي يحول بينهم وبين الرجعة، يلبثون فيه إلى يوم القيامة، قال مجاهد : البرزخُ : الحاجز ما بين الدنيا والآخرة
[ فإذا نفخ في الصور ] أي فإذا نفخ في الصور (النفخة الثانية) وهي نفخة البعث والنشور
[ فلا أنساب بينهم يومئذ ] أي فلا قرابة ولا نسب ينفعهم يوم القيامة، لزوال التراحم والتعاطف من شدة الهول والدهشة، بحيث يفر المرء (من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه )
[ ولا يتساءلون ] أي لا يسأل بعضهم بعضا عن شأنه، لاشتغال كل واحد بنفسه، ولا تنافي بينها وبين قوله :
[ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ] لأن يوم القيامة طويل، وفيه مواقف ومواطن، ففي بعضها يتكلمون، وفي بعضها لا ينطقون
[ فمن ثقلت موازينه ] أي فمن رجحت حسناته على سيئاته ولو بواحدة
[ فأولئك هم المفلحون ] أي فهم السعداء الذين فازوا فنجوا من النار وأدخلوا الجنة
[ ومن خفت موازينه ] أي زادت سيئاته على حسناته
[ فأولئك الذين خسروا أنفسهم ] أي فهم الأشقياء الذين خسروا سعادتهم الأبدية، بتضييع أنفسهم وتدنيسها بالكفر والمعاصي
[ في جهنم خالدون ] أي هم مقيمون في جهنم، لا يخرجون منها أبدا
[ تلفح وجوههم النار ] أي تحرقها بشدة حرها، وتخصيص الوجوه بالذكر لأنها أشرف الأعضاء
[ وهم فيها كالحون ] أي وهم في جهنم عابسون مشوهو المنظر، قال ابن مسعود : قد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم، كالرأس المُشيَط بالنار، وفي الحديث الشريف :(تشويه النارُ فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سُرته )


الصفحة التالية
Icon