[ وفرضناها ] اي أوجبنا ما فيها من الأحكام ايجابا قطعيا
[ وأنزلنا فيها آيات بينات ] اي أنزلنا فيها آيات تشريعية، واضحات الدلالة على أحكامها، لتكون لكم - أيها المؤمنون - قبسا ونبراسا، وتكرير لفظ الإنزال لإبراز كمال العناية بشأنها، فكأنه يقول : ما أنزلتها عليكم لمجرد التلاوة، وإنما أنزلتها للعمل والتطبيق
[ لعلكم تذكرون ] اى لكي تعتبروا وتتعظوا بهذه الأحكام، وتعملوا بموجبها.. ثم شرع تعالى بذكر الأحكام وبدأ بحد الزنى فقال سبحانه :
[ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ] اي فيما شرعت لكم وفرضت عليكم، أن تجلدوا كل واحد من الزانيين - غير المحصنين - مائة ضربة بالسوط، عقوبة لهما على هذه الجريمة الشنيعة
[ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ] اي لا تأخذكم بهما رقة ورحمة، في حكم الله تعالى، فتخففوا الضرب او تنقصوا العدد، بل أوجعوهما ضربا، قال مجاهد : لا تعطلوا حدود الله، ولا تتركوا إقامتها شفقة ورحمة
[ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ] هذا من باب الإلهاب والتهييج، اي إن كنتم مؤمنين حقا تصدقون بالله وباليوم الآخر، فلا تعطلوا الحدود، ولا تأخذكم شفقة بالزناة، فإن جريمة الزنى أكبر من أن تستدر العطف، او تدفع الى الرحمة
[ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ] اي وليحضر عقوبة الزانيين جماعة من المؤمنين، ليكون أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما، فإن الفضيحة قد تنكل اكثر مما ينكل التعذيب
[ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ] اي الزاني لا يليق به أن يتزوج العفيفة الشريفة، انما ينكح مثله او أخس منه، كالبغي الفاجرة، او المشركة الوثنية
[ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ] اي والزانية لا يليق ان يتزوج بها المؤمن العفيف، انما يتزوجها من هو مثلها او أخس منها " كالزاني الخبيث او المشرك الكافر، فإن النفوس الطاهرة تأبى الزواج بالفواجر الفاسقات، قال الامام الفخر :" من أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية : أن الفاسق الخبيث - الذي من شأنه الزنى والفسق - لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله، او فى مشركة، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين، وهذا على الأعم الأغلب، كما يقال : لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي، فكذا هنا "
[ وحرم ذلك على المؤمنين ] اي وحرم الزنى على المؤمنين، لشناعته وقبحه، او حرم نكاح الزواني على المؤمنين، لما فيه من الاضرار الجسيمة.. ثم شرع تعالى في بيان حد القذف فقال :
[ والذين يرمون المحصنات ] اي يقذقون بالزنى العفيفات الشريفات
[ ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ] اي ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهود عدول، يشهدون عليهن بما نسبوا اليهن من الفاحشة
[ فاجلدوهم ثمانين جلدة ] اي اضربوا كل واحد من الرامين، ثمانين ضربة بالسوط ونحوه، لأنهم كذبة يتهمون البريئات، ويخوضون في اعراض الناس
[ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ] اي وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإنسانية، فلا تقبلوا شهادة أي واحد منهم ما دام مصرا على كذبه وبهتانه
[ وأولئك هم الفاسقون ] اي هم الخارجون عن طاعة الله عز وجل، لإتيانهم بالذنب الكبير، والجرم الشنيع، قال ابن كثير : أوجب تعالى على القاذف، إذا لم يقم البينة على صحة ما قال، ثلاثة أحكام : أحدها : أن يجلد ثمانين جلدة، الثاني : أن ترد شهادته أبدا، الثالث : أن يكون فاسقا ليس بعدل، لا عند الله ولا عند الناس
[ إلا الذين تابوا من بعد ذلك ] اي إلا الذين تابوا وأنابوا، وندموا على ما فعلوا، من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم


الصفحة التالية
Icon