[ ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ] اي هلا ظنوا الخير ولم يسرعوا الى التهمة، فيمن عرفوا فيها النزاهة والطهارة ؟ فإن مقتضى الإيمان، ألا يصدق مؤمن على أخيه قولة عائب ولا طاعن، قال ابن كثير : هذا تأديب من الله تعالى للمؤمنين في (قصة عائشة) حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السوء، وهلا قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم، فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى، روي أن امرأة " أبي أيوب " قالت لزوجها : أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ! قال : نعم وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ قالت : لا والله، قال : فعائشة والله خير منك،
[ وقالوا هذا إفك مبين ] اي قالوا في ذلك الحين هذا كذب ظاهر واضح
[ لولا جاءو عليه بأربعة شهداء ] اي هلا جاء أولئك المفترون بأربعة شهود، يشهدون على ما قالوا
[ فإذ لم يأتوا بالشهداء ] اي فإن عجزوا ولم يأتوا على دعواهم بالشهود
[ فأولئك عند الله هم الكاذبون ] اي فأولئك هم المفسدون، الكاذبون في حكم الله وشرعه، وفيه توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك، ولم ينكروه أول وهلة
[ ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ] اي لولا فضله تعالى عليكم - أيها الخائضون في شأن عائشة - ورحمته بكم في الدنيا والآخرة، حيث أمهلكم ولم يعاجلكم بالعقوبة
[ لمسكم فيما أفضتم فيه ] اي لأصابكم ونالكم بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك
[ عذاب عظيم ] اي عذاب شديد هائل، يستحقر دونه الجلد والتعنيف، قال القرطبي : هذا عتاب من الله بليغ لمن خاضوا في الإفك، ولكنه برحمته ستر عليكم في الدنيا، ويرحم في الآخرة من أتاه تائبا
[ إذ تلقونه بألسنتكم ] اي وذلك حين تتلقونه ويأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه، قال مجاهد : اي يروي بعضكم عن بعض، يقول هذا سمعته من فلان، وقال فلان كذا
[ وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ] اي تقولون ما ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو محض كذب وبهتان
[ وتحسبونه هينا ] اي وتظنونه ذنبا صغيرا لا يلحقكم فيه إثم
[ وهو عند الله عظيم ] اي والحال انه عند الله من أعظم الموبقات والجرائم، لأنه وقوع في أعراض المسلمين.. عاتبهم تعالى على ثلاثة أشياء : الأول : تلقيه بالألسنة اي السؤال عنه، والثاني : التكلم به، والثالث : استصغاره حيث حسبوه هينا وهو عند الله عظيم، وفائدة قوله (بألسنتكم ) وبأفواهكم الإشارة الى أن ذلك الحديث كان باللسان دون القلب، لأنهم لم يعلموا حقيقته بقلوبهم
[ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ] عتاب لجميع المؤمنين، اي كان ينبغي عليكم أن تنكروه أول سماعكم له، وتقولوا : لا ينبغي لنا ان نتفوه بهذا الكلام، ولا نذكره لأحد
[ سبحانك هذا بهتان عظيم ] اي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسول الله الطاهرة البريئة، فإن هذا الإفتراء كذب واضح، عظيم الجرم، قال الزمخشري : هو بمعنى التعجب من عظيم الأمر، والإستبعاد له، والأصل في ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجائب
[ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ] اي يذكركم الله ويعظكم بالمواعظ الشافية، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبدا
[ إن كنتم مؤمنين ] اي إن كنتم حقا مؤمنين، فإن الإيمان وازع عن مثل هذا البهتان، وفيه حث لهم على اللإتعاظ وتهييج
[ ويبين الله لكم الآيات ] اي ويوضح لكم الآيات الدالة على الشرائع، ومحاسن الآداب، لتتعظوا وتتأدبوا بها
[ والله عليم حكيم ] اي عالم بما يصلح العباد، حكيم في تدبيره وتشريعه
[ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ] أي يريدون أن ينتشر الفعل القبيح المفرط في القبح، كإشاعة الرذيلة والزنى، وغير ذلك من المنكرات
[ في الذين آمنوا ] اي في المؤمنين الأطهار


الصفحة التالية
Icon