[ لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ] أي لهم عذاب موجع مؤلم في الدنيا بإقامة الحد، وفي الآخرة بعذاب جهنم، قال الحسن : عنى بهذا الوعيد واللعن (المنافقين ) فإنهم أحبوا وقصدوا إذاية الرسول(ص) وذلك كفر وملعون صاحبه
[ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] اي هو تعالى عالم بالخفايا والنوايا، وأنتم لا تعلمون ذلك، قال الإمام الفخر : وهذه الجملة فيها حسن الموقع بهذا الموضع، لأن محبة القلب كامنة ونحن لا نعلمها إلا بالأمارات، أما الله سبحانه فهو لا يخفى عليه شيء، فصار هذا الذكر نهاية في الزجر، لأن من أحب إشاعة الفاحشة، وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة، فهو يعلم أن الله تعالى يعلم ذلك منه، ويعلم قدر الجزاء عليه
[ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ] جواب [ لولا ] محذوف لتهويل الأمر أي لولا فضله تعالى على عباده، ورحمته بهم، لأهلكهم وعذبهم، وكان ما كان مما لا يكاد يتصوره الإنسان، لأنه فوق الوصف والبيان، وهذا هو السر في حذف جواب " لولا ".
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - التنكير للتفخيم [ سورة أنزلناها ] اي هذه سورة عظيمة الشأن، جليلة القدر، أنزلها الله تعالى عليكم معشر المؤمنين لتعملوا بها.
٢ - الإطناب بتكرير لفظ [ أنزلنا ] في قوله :[ وأنزلنا فيها آيات بينات ] لإبراز كمال العناية بشأنها، وهو من باب (ذكر الخاص بعد العام ) للعناية والإهتمام بشأن الخاص
٣ - الإستعارة [ يرمون المحصنات ] أصل الرمي القذف بالحجارة او بشيء صلب، ثم استعير للقذف باللسان لأنه يشبه الأذى الحسي ففيه (استعارة لطيفة) اي يقذفون المؤمنات العفيفات.
٤ - التهييج والإلهاب [ إن كنتم تؤمنون بالله ] كقولهم : إن كنت رجلا فأقدم، وإن كنت شجاعا فلا تهرب من المعركة.
٥ - صيغة المبالغة [ غفور رحيم ] و[ تواب حكيم ] فإن (فعول، وفعال، وفعيل ) من صيغ المبالغة وكلها تفيد بلوغ النهاية في هذه الصفات.
٦ - الطباق بين [ الصادقين ] و[ الكاذبين ].
٧ - حذف جواب [ لولا ] للتهويل في [ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ] وذلك حتى يذهب الوهم في تقديره كل مذهب، فيكون أبلغ في البيان وأبعد في التهويل والزجر.
٨ - الطباق [ لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ] وكذلك [ وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ] فقد طابق بين الشر والخير، وبين الهين والعظيم.
٩ - الإلتفات من الخطاب إلى الغيبة [ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ] والأصل أن يقال ظننتم وإنما عدل عنه مبالغة في التوبيخ، وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين.
١٠ - التحضيض [ لولا جاءو عليه بأربعة شهداء ] اي هلا جاءوا وغرضه التوبيخ واللوم.
١١ - التعجب [ سبحانك هذا بهتان عظيم ] ففيه تعجب ممن يقول ذلك والأصل في ذكر هذه الكلمة [ سبحانك ] أن يسبح الله تعالى عند رؤية العجيب من صنائعه، تنزيها له من أن يخرج مثله عن قدرته ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه.
فائدة :
لماذا بدأ الله في الزنى بالمرأة، وفي السرقة بالرجل ؟ والجواب أن الزنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع فبدأ بها، وأما السرقة فالرجل عليها أجرأ وهو عليها أقدر ولذلك بدأ به [ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ].
تنبيه :
في التعبير بالإحصان [ والذين يرمون المحصنات ] إشارة دقيقة إلى أن قذف العفيف من الرجال أو النساء موجب لحد القذف، وأما إذا كان الشخص معروفا بفجوره او اشتهر بالإستهتار والمجون فلا حد على قاذفه، لأنه لا كرامة للفاسق الماجن ! ! فتدبر السر الدقيق.
لطيفة :