[ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ] لما حذر تعالى من قذف المحصنات، وشدد العقاب فيه، وكان طريق هذا الإتهام مخالطة الرجال للنساء، ودخولهم عليهن في أوقات الخلوات، أرشد تعالى إلى الآداب الشرعية في دخول البيوت، فأمر بالإستئذان قبل الدخول وبالتسليم بعده
[ حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ] أي لا تدخلوا بيوت الغير حتى تستأذنوا وتسلموا على أهل المنزل
[ ذلكم خير لكم ] أي ذلك الإستئذان والتسليم خير لكم من الدخول بغتة
[ لعلكم تذكرون ] أي لتتعظوا وتعملوا بموجب هذه الآداب الرشيدة، قال القرطبي : المعنى : إن الإستئذان والتسليم خير لكم من الهجوم بغير إذن، ومن الدخول على الناس بغتة، ومن تحية الجاهلية، فقد كان الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته قال : حييتم صباحا، وحييتم مساء ودخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف !! روي أن رجلا قال للنبى (ص) : أأستأذن على أمي ؟ قال : نعم، قال : ليس لها خادم غيري، أأستأذن عليها كلما دخلت ؟ قال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا، قال : فاستأذن عليها
[ فإن لم تجدوا فيها أحدا ] أي فإن لم تجدوا في البيوت أحدا يأذن لكم بالدخول إليها
[ فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ] اي فاصبروا ولا تدخلوها حتى يسمح لكم بالدخول، لأن للبيوت حرمة ولا يحل دخولها إلا بإذن أصحابها
[ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ] أي وإن لم يؤذن لكم، وطلب منكم الرجوع فارجعوا ولا تلحوا
[ هو أزكى لكم ] أي الرجوع أطهر وأكرم لنفوسكم، وهو خير لكم من اللجاج والإنتظار على الأبواب
[ والله بما تعملون عليم ] أي هو تعالى عالم بالخفايا والنوايا وبجميع أعمالكم فيجازيكم عليها، قال القرطبي : وفيه توعد لأهل التجسس على البيوت.. ثم إنه تعالى لما ذكر حكم الدور المسكونة، ذكر بعده حكم الدور غير المسكونة فقال سبحانه :
[ ليس عليكم جناح ] أي ليس عليكم إثم وحرج
[ أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ] أي أن تدخلوا بغير استئذان بيوتا لا تختص بسكنى أحد، كالرباطات والفنادق والخانات، قال مجاهد : هي الفنادق التي في طرق السابلة لا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل
[ فيها متاع لكم ] أي فيها منفعة لكم أو حاجة من الحاجات، كالإستظلال من الحر، وإيواء الأمتعة والرحال
[ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ] أي يعلم ما تظهرون وما تسرون في نفوسكم فيجازيكم عليه، قال ابو السعود : وهذا وعيد لمن يدخل مدخلا لفساد، أو إطلاع على عورات.. ثم أرشد تعالى إلى الآداب الرفيعة من غض البصر، وحفظ الفروج فقال سبحانه :
[ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ] أي قل يا أيها الرسول لاتباعك المؤمنين : يكفوا أبصارهم عن النظر إلى الاجنبيات من غير المحارم، فإن النظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا، كما قال الشاعر : كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلاقوس ولاوتر
[ ويحفظوا فروجهم ] أي يصونوا فروجهم عن الزنى وعن الإبداء والكشف للعورات
[ ذلك أزكى لهم ] اي ذلك الغض والحفظ أطهر للقلوب، وأتقى للدين، وأحفظ من الوقوع في الفجور
[ إن الله خبير بما يصنعون ] أي هو تعالى رقيب عليهم، مطلع على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية من أحوالهم، فعليهم أن يتقوا الله في السر والعلن، قال الإمام الفخر : فإن قيل فلم قدم غض الأبصار على حفظ الفروج ؟ قلنا : لأن النظر بريد الزنى، ورائد الفجور، والبلوى فيه أشد وأكثر، ولا يكاد يحترس منه


الصفحة التالية
Icon