[ وخلق كل شئ فقدره تقديرا ] أي أوجد كل شيء بقدرته، مع الإتقان والإحكام، قال في التسهيل : الخلق عبارة عن الإيجاد بعد العدم، والتقدير عبارة عن إتقان الصنعة، وتخصيص كل مخلوق بمقداره وصنعته، وزمانه ومكانه، ومصلحته وأجله، وغير ذلك قال الرازي : وصف سبحانه ذاته بأربع أنواع من صفات الكبرياء : الأول : أنه المالك للسموات والأرض، وهذا كالتنبيه على وجوده والثاني : أنه هو المعبود أبدا والثالث : أنه المنفرد بالألوهية والرابع : أنه الخالق لجميع الأشياء مع الحكمة والتدبير
[ واتخدوا من دونه آلهة ] أي عبد المشركون غير الله من الأوثان والأصنام
[ لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ] أي لا يقدرون على خلق شيء أصلا، بل هم مصنوعون بالنحت والتصوير، فكيف يكونون آلهة مع الله ؟
[ ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ] أي لا يستطيعون دفع ضر عنهم، ولا جلب نفع لهم
[ ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ] أي لا تملك أن تميت أحدا، ولا أن تحيي أحدا، ولا أن تبعث أحدا من الأموات، قال الزمخشري : المعنى أنهم آثروا على عبادة الله عبادة آلهة لا يقدرون على شيء، وإذا عجزوا عن دفع الضرر وجلب النفع، الذي يقدر عليه العباد، كانوا عن الموت والحياة والنشور، الذي لا يقدر عليها إلا الله أعجز
[ وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه ] أي وقال كفار قريش : ما هذا القرآن إلا كذب إختلقه محمد من تلقاء نفسه
[ وأعانه عليه قوم آخرون ] أي وساعده على هذا الاختلاق قوم من أهل الكتاب
[ فقد جاءوا ظلما وزورا ] أي جاءوا بالظلم والبهتان، حيث جعلوا العربي يتلقن من العجمي (كلاما عربيا) أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب فكان كلامهم فيه محض الكذب والزور
[ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها ] أي وقالوا في حق القرآن أيضا : إنه خرافات الأمم السابقين أمر أن تكتب له
[ فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ] أي فهي تلقى وتقرأ عليه ليحفظها صباحا ومساءا، قال ابن عباس : والقائل هو " النضر بن الحارث " وأتباعه، والإفك أسوأ الكذب
[ قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض ] هذا رد عليهم في تلك المزاعم، أي قل لهم يا محمد : أنزله الله العليم القدير، الذي لا يخفى عليه شىء في السموات والأرض
[ إنه كان غفورا رحيما ] أي أنه تعالى لم يعجل لكم العقوبة، بل أمهلكم رحمة بكم، لأنه واسع المغفرة رحيم بالعباد
[ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ] أي وقال المشركون : ما لهذا الذي يزعم الرسالة يأكل الطعام كما نأكل ؟ ويمشي في الأسواق لطلب المعاش كما نمشى ؟ إنه ليس بمَلَك ولا مَلِك، لأن الملائكة لا تأكل، والملوك لا تتبذل في الأسواق ؟ وفي قولهم :[ ما لهذا الرسول ] مع إنكارهم لرسالته تهكم وإستهزاء، كأنهم يقولون : ما لهذا الإنسان الذي يزعم الرسالة، ويدعي أنه رسول الله، يأكل الطعام كما نأكل ! ؟ ويمشي في الأسواق ؟
[ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ] أي هلا بعث الله معه ملكا، ليكون شاهدا له على صدق ما يدعيه !
[ أو يلقى إليه كنز ] أي يأتيه كنز من السماء فيستعين به، ويستغني عن طلب المعاش
[ أو تكون له جنة يأكل منها ] أي يكون له بستان يأكل من ثماره
[ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ] أي وقال الكافرون : ما تتبعون أيها المؤمنون، إلا إنسانا سحر فغلب على عقله، فهو يزعم أنه رسول الله
[ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ] أي انظر كيف قالوا في حقك يا أيها الرسول، تلك الأقاويل العجيبة ؟ الجارية لغرابتها مجرى الأمثال ! وكيف اخترعوا تلك الصفات والأحوال الشاذة، فضلوا بذلك عن الهدى!