[ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ] ؟ أي قل لهم يا أيها الرسول، على سبيل التقريع والتهكم : أذلك السعير خير أم جنة الخلود التي وعدها المتقون ؟ قال ابن كثير : يقول الله تعالى يا محمد : هذا الذي وصفناه لك من حال الأشقياء، الذين تتلقاهم جهنم بوجه عبوس وتغيظ وزفير، ويلقون في أماكنها الضيقة مقرنين، لا يستطيعون حراكا ولا فكاكا مما هم فيه، أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده قال الإمام الفخر : فإن قيل كيف يقال العذاب خير أم جنة الخلد ؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر ؟ قلنا : هذا يحسن في معرض التقريع، كما إذا أعطى السيد عبده مالا فتمرد وأبى واستكبر، فيضربه ضربا وجيعا ويقول على سبيل التوبيخ : أهذا أطيب أم ذاك ؟
[ كانت لهم جزاء ومصيرا ] أي كانت لهم ثوابا ومرجعا
[ لهم فيها ما يشاءون ] أي لهم في الجنة ما يشاءون من النعيم
[ خالدين ] أي ماكثين فيها ابدأ، بلا زوال ولا انقضاء
[ كان على ربك وعدا مسؤولا ] أي كان ذلك الجزاء، وعدا على ذي الجلال، حقيقا بأن يسأل ويطلب لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون، وهو وعد واجب
[ ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله ] أي واذكر ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - حين يجمع الله الكفار والأصنام، وكل من عبد من دون الله، كالملائكة، والمسيح، قال مجاهد : هو عيسى وعزير والملائكة
[ فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ] أي فيقول تعالى للمعبودين تقريعا لعبدتهم : أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم ؟
[ أم هم ضلوا السبيل ] أي أم هم ضلوا الطريق، فعبدوكم من تلقاء أنفسهم ؟
[ قالوا سبحانك ] أي قال المعبودون تعجبا مما قيل لهم : تنزهت يا الله عن الأنداد
[ ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ] أي ما يحق لنا ولا لأحد من الخلق أن يعبد غيرك، ولا أن يشرك معك سواك
[ ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ] أي ولكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعمة - وكان يجب عليهم شكرها والإيمان بما جاءت به الرسل - فكان ذلك سببا للإعراض عن ذكرك وشكرك
[ وكانوا قوما بورا ] أي وكانوا قوما هالكين، قال تعالى توبيخا للكفرة
[ فقد كذبوكم بما تقولون ] أي فقد كذبكم هؤلاء المعبودون في قولكم إنهم آلهة
[ فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ] أي فما تستطيعون أيها الكفار دفعا للعذاب عنكم، ولا نصرا لأنفسكم من هذا البلاء
[ ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ] أي ومن يشرك منكم بالله، فيظلم نفسه، نذقه عذابا شديدا في الآخرة
[ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ] أي وما أرسلنا قبلك يا محمد أحدا من الرسل، إلا وهم يأكلون ويشربون ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة، فتلك هي سنة المرسلين من قبلك، فلم ينكرون ذلك عليك ؟ وهو جواب عن قولهم [ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ] ؟
[ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ] أي جعلنا بعض الناس بلاء لبعض ومحنة، ابتلى الله الغني بالفقير، والشريف بالوضيع، والصحيح بالمريض، ليختبر صبركم وإيمانكم، أتشكرون أم تكفرون ؟ قال الحسن : يقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان، ويقول الفقير : لوشاء الله لجعلني غنيا مثل فلان، ويقول السقيم : لوشاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان
[ وكان ربك بصيرا ] أي عالما بمن يصبر أو يجزع، وبمن يشكر أو يكفر.
البلاغة :
تضمنت الآيات وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الإضافة للتشريف [ على عبده ] ولم يذكره باسمه تشريفا له وتكريما.
٢ - الاكتفاء بأحد الوصفين [ ليكون للعالمين نذيرا ] أي ليكون بشيرا ونذيرا، واكتفى بالإنذار لمناسبته للكفار.
٣ - الجناس الناقص [ يخلقون.. ويخلقون ] سمي ناقصا لتغايره في الشكل.