[ ويقولون حجرا محجورا ] أي تقول الملائكة لهم : حرام محرم عليكم دخول الجنة، وحرام عليكم البشرى والغفران، قال ابن كثير : وذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، فتقول للكافر عند خروج روحه : أخرجي أيتها النفس الخبيثة، في الجسد الخبيث، أخرجي إلى سموم وحميم، وظل! من يحموم، فتأبى الخروج وتتفرق في البدن، فيضربونه بمقامع الحديد، بخلاف المؤمنين حال احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات [ تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ] ثم قال تعالى مخبرا عن الكفار :
[ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ] أي عمدنا إلى أعمال الكفار، التي يعتقدونها برا كإطعام المساكين، وصلة الأرحام، ويظنون أنها تقربهم إلى الله
[ فجعلناه هباء منثورا ] أي جعلنا أعمالهم محل الغبار المنثور في الجو، لإنها لا تعتمد على أساس، ولا تستند على إيمان، قال الطبري : أي جعلناه باطلا لأنهم لم يعملوه لله، وإنما عملوه للشيطان، والهباء هو الذي يرى كهيئة الغبار، إذا دخل ضوء الشمس من كوة، والمنثور المتفرق، وقال القرطبي : إن الله أحبط أعمالهم بسبب الكفر، حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور
[ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ] لما بين تعالى حال الكفار وأنهم في الخسران الكلي والخيبة التامة، شرح وصف أهل الجنة وأنهم في غاية السرور والحبور، تنبيها على أن السعادة كل السعادة في طاعة الله عز وجل، ومعنى الآية : أصحاب الجنة يوم القيامة، خير من الكفار مستقرا ومنزلا ومأوى (( كلمة " خير " ليست على بابها للمفاضلة وإنما هي لبيان حال أهل الجنة وأنهم في أحسن حال وخير مكان، ولا ضرورة للتأويل بأنهم خير من الكافرين المترفين فى الدنيا ))
[ وأحسن مقيلا ] أي وأحسن منهم مكانا للتمتع وقت القيلولة، وهي الاستراحة نصف النهار، فالمؤمنون في الآخرة في الفردوس والنعيم المقيم، والكفار في دركات الجحيم، قال ابن مسعود :" لا ينتصف النهار من يوم القيامة، حتى يقيل - أي يستريح ويستقر- أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار "
[ ويوم تشقق السماء بالغمام ] أي واذكر ذلك اليوم الرهيب، يوم تتشقق السماء وتنفطر عن الغمام، الذي يسود الجو ويظلمه، ويغم القلوب مرآه لكثرته وشدة ظلمته
[ ونزل الملائكة تنزيلا ] أي ونزلت الملائكة فأحاطت بالخلائق في المحشر
[ الملك يومئذ الحق للرحمن ] أي الملك في ذلك اليوم لله الواحد القهار، الذي تخضع له الملوك، وتعنو له الوجوه، وتذل له الجبابرة، لا مالك يومئذ سواه، كقوله سبحانه :[ لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار ]
[ وكان يوما على الكافرين عسيرا ] أي وكان ذلك اليوم صعبا شديدا على الكفار، قال أبو حيان : ودل قوله :[ على الكافرين ] على تيسيره على المؤمنين، ففي الحديث :" أنه يهون حتى يكون على المؤمن أخف عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا "
[ ويوم يعض الظالم على يديه ] أي واذكر يوم يندم ويتحسر الظالم على نفسه، لما فرط في جنب الله، وعض اليدين كناية عن الندم والحسرة، والمراد بالظالم (عقبة بن أبي معيط ) كما تقدم في سبب النزول، وهي تعم كل ظالم، قال ابن كثير : يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول، وسلك سبيلا غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم، حيث لا ينفعه الندم، وعض على يديه حسرة وأسفا، وسواء كان نزولها في (عقبة بن أبي معيط ) أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم
[ يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ] أي يقول الظالم : يا ليتني اتبعت الرسول، فاتخذت معه طريقا إلى الهدى، ينجيني من العذاب !