[ يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلالا خليلا ] أي يا هلاكي وحسرتي، يا ليتني لم أصاحب فلانا وأجعله صديقا لي، ولفظ [ فلان ] كناية عن الشخص الذي أضله وهو (أبي بن خلف ) قال القرطبي : وكنى عنه ولم يصرح باسمه، ليتناول جميع من فعل مثل فعله
[ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ] أي لقد أضلني عن الهدى والإيمان، بعد أن إهتديت وآمنت ! ! لم قال تعالى :
[ وكان الشيطان للإنسان خذولا ] أي يضله ويغويه، لم يتبرأ منه وقت البلاء، فلا ينقذه ولا ينصره
[ وقال الرسول يا رب إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجورا ] لما أكثر المشركون الطعن في القرآن، ضاق صدر الرسول(ص) وشكاهم إلى الله، والمعنى : قال محمد رسول الله : يا رب إن قريشا كذبت بالقرآن ولم تؤمن به، وجعلته وراء ظهورها متروكا، وأعرضوا عن استماعه ! ! قال المفسرون : وليس المقصود من حكاية هذا القول، الإخبار بما قال المشركون، لأن الله عالم بما صنعوا، بل المقصود منها تعظيم شكايته، وتخويف قومه، لأن الأنبياء إذا إلتجأوا إلى الله وشكوا قومهم، حل بهم العذاب ولم يمهلوا
[ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ] أي كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك، جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه، والمراد تسلية النبي (ص) بالتأسى بغيره من الأنبياء
[ وكفى بربك هاديا ونصيرا ] أي وكفى أن يكون ربك يا محمد هاديا لك، وناصرا لك على أعدائك، فلا تبال بمن عاداك ! !
[ وقال الذين كفروا ] أي وقال كفار مكة :
[ لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ] أي هلا نزل هذا القرآن على محمد دفعة واحدة، كما نزلت التوراة والإنجيل ؟ قال تعالى ردا على شبهتهم التافهة :
[ كذلك لنثبت به فؤادك ] أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي قلبك على تحمله، فتحفظه وتعمل بمقتضي ما فيه
[ ورتلناه ترتيلا ] أي فصلنا تفصيلا بديعا، قال قتادة : أي بيناه، وقال الرازي : الترتيل في الكلام أن يأتي بعضه على إثر بعض، على تؤدة وتمهل، وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفلجها وقال الطبري : الترتيل في القراءة : الترسل والتثبت، يقول : علمناكه القرآن شيئا بعد شيء حتى تحفظه
[ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق ] أي ولا يأتيك هؤلاء الكفار بحجة أو شبهة، للقدح فيك أو في القرآن، إلا أتيناك يا محمد بالحق الواضح والنور الساطع، لندمغ به باطلهم
[ وأحسن تفسيرا ] أي أحسن بيانا وتفصيلا.. ثم ذكر تعالى حال هؤلاء المشركين، المكذبين للقرآن فقال سبحانه :
[ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ] أي يسحبون ويجرون إلى النار على وجوههم
[ أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ] أي هم شر منزلا ومصيرا، وأخطأ دينا وطريقا، وفي الحديث الشريف :(قيل يا رسول الله : كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال : إن الذي أمشاه على رجليه، قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)، ثم ذكر تعالى قصص الأنبياء تسلية لرسول الله (ص) وإرهابا للمكذبين فقال سبحانه :
[ ولقد آتينا موسى الكتاب ] أي والله لقد أعطينا موسى التوراة
[ وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ] أي وأعناه بأخيه هارون، فجعلناه وزيرا له، يناصره ويؤآزره
[ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا ] أي إذهبا إلى فرعون وقومه بالآيات الباهرات، والمعجزات الساطعات
[ فدمرناهم تدميرا ] أي فأهلكناهم إهلاكا فظيعا بالغرق، لما كذبوا رسلنا
[ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية ] أي وأغرقنا قوم نوح بالطوفان، لما كذبوا رسولهم (نوحا) وجعلناهم عبرة لمن يعتبر، قال أبو السعود : وإنما قال الرسل بالجمع، مع أنهم كذبوا نوحا وحده، لأن تكذيبه تكذيب للجميع، لاتفاقهم على التوحيد والإسلام


الصفحة التالية
Icon