[ لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ] أي حقا إِنهم يوم القيامة من أخسر الناس، ولا ترى أحدا أَبينَ خسرانا منهم، لأنهم آثروا الفانية على الباقية، واستعاضوا عن الجنان بلظى النيران ا ! ثم لما ذكر تعالى حال الكفار الأشقياء، ذكر حال المؤمنين السعداء فقال
[ اِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا اِلى ربهم ] أي جمعوا مع الإيمان والعمل الصالح الإخباتَ : وهو الاطمئنان إِليه سبحانه والخشوع له، والانقطاع لعبادته
[ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] أي منعمون في الجنة، لا يخرجرن منها أبدا
[ مثل الفريقين ] أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين
[ كالأعمى والأصم، والبصير والسميع ] شبًه تعالى فريق الكافرين (بالأعمى والأصم ) وفريق المؤمنين (بالبصير والسميع ) وهو من باب اللف والطباق.. والمعنى : حال الفريقين العجيب، كحال من جمع بين العمى والصمَم، ومن جمع ببن السمع والبصر
[ هل يستويان مثلا ] الاستفهام إِنكاري أيلا يستون مثلا، فليس حال من يبصر نور الحق ويستضيء بضيائه كحال من يخبط في ظلمات الضلالة، ولا يهتدي إِلى سبيل السعادة
[ أفلا تذكرون ] أي أفلا تعتبرون وتتعظون ؟ والغرض التفريق بين أهل الطاعة والإيمان، وأهل الجحود والعصيان.
البلاغة :
١ - [ عذاب يوم كبير ] إضاقة العذاب إِلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع.
٢ - [ ما يسرون وما يعلنون ] بينهما طباق وكذلك بين [ نعماء وضراء ] وبين [ نذير وبشير ].
٣ - [ يئوس كفور ] من صيغ المبالغة أي شديد اليأس كثير الكفران.
٤ - [ كالأعمى والأصم ] فيه تشبيه " مرسل مجمل " لوجود أداة التشبيه وحذف وجه الشبه أيمثل الفريق الكافر كالأعمى والأصم في عدم إبصار الحق وسماعه، ومثل الفريق المؤمن كالسميع والبصير في الرؤية والسماع.
لطيفة :
قال بعض الصالحين : الاستغفار بلا إِقلاع عن الذنب توبة الكذابين.
تنبيه :
التحدي بعشر سور، جاء بعد التحدي بالقرآن الكريم، فلما عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن، تحداهم بعشر سور، ثم لما عجزوا تحداهم بالإتيان بسورة مثله، في البلاغة والفصاحة، والاشتمال على الاحكام التشريعية وأمثالها، وهي الأنواع التسعة وقد نظمها بعضهم بقوله :
ألا إِنما القرآن تسعةُ أحرف سأنبيكها في بيت شعر بلا مَلَل : حلال، حرام، محكم، متشابة، بشير، نذير، قصة، عظة، مَثَل.
قال الله تعالى :[ ولقد أرسلنا نوحا الى قومه.. ] إلى قوله [ فاصبر ان العاقبة للمتقين ] من آية (٢٥) إلى نهاية آية (٤٩ ).
المناسبة :
لما ذكر تعالى عناد الكافرين من أهل مكة، وتكذيبهم لرسول الله (ص) واتهامهم له بافتراء القرآن، ذكر هنا (قصة نوح ) مع قومه الكافرين لتكون كالعظة والعبرة، لمن كذب وعاند، ولتسلية الرسول، بسرد قصص المرسلين، وما جرى لهم مع أقوامهم، ليتأسى بهم في الصبر وتحمل الأذى.
اللغه :
[ الملأ ] أشراف القوم وسادتهم
[ أراذلنا ] الأراذل هنا : المراد بهم الفقراء والضعفاء والسفَلة، وهو جمع أرذَل بمعنى السافل الذي لا خَلاق له ولا يبالي بما يفعل
[ فعُميت ] عمي عن كذا، وعُمي عليه كذا، بمعنى التبس عليه ولم يفهمه، وخفي عليه أمره
[ جادلتنا ] الجدل في كلام العرب : المبالغة في الخصومة
[ تزدرى ] تحتقر
[ الفلك ] السفينة ويطلق على المفرد والجمع
[ التنور ] مستوقد النار
[ مرساها ] رسا الشيء يرسو : ثبت واستقر
[ عاصم ] مانع يقال : عصمه إذا منعه، ومنه الحديث " فقد عصموا مني دماءهم "
[ غيض ] غاض الماء نقص بنفسه وغضُته أنقصته
[ الجودى ] جبل بقرب المَوصل في بلاد العراق.
التفسير :
[ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ] أي أرسلناه رسولا إلى قومه بعد أن امتلأت الأرض بشركهم وشرورهم