[ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ] أي فلا تطع الكفار فيما يدعونك إليه من الكف عن آلهتهم، وجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا، بالغا نهايته، لا يصاحبه فتور
[ وهو الذي مرج البحرين ] أي هو تعالى بقدرته خلى وأرسل البحرين متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان
[ هذا عذب فرات ] أي شديد العذوبة قاطع للعطش، من فرط عذوبته
[ وهذا ملح أجاج ] أي بليغ الملوحة، مر شديد المرارة
[ وجعل بينهما برزخا ] أي جعل بينهما حاجزا من قدرته، لا يغلب أحدهما على الآخر
[ وحجرا محجورا ] أي ومنعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر وإمتزاجه به، قال ابن كثير : معنى الآية أنه تعالى خلق الماءين : الحلو والمالح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، والمالح كالبحار الكبار التي لا تجري، وجعل بين العذب والمالح حاجزا، وهو اليابس من الأرض، ومانعا من أن يصل أحدهما إلى الآخر، وهذا اختيار ابن جرير وقال الرازي : ووجه الاستدلال ههنا بين لأن الحلاوة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء، فلابد من الاستواء، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد بصفة معينة
[ وهو الذي خلق من الماء بشرا ] أي خلق من النطفة إنسانا سميعا بصيرا
[ فجعله نسبا وصهرا ] أي قسمهم من نطفة واحدة قسمين : ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم، لأن النسب إلى الآباء كما قال الشاعر : فإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء وإناثا يصاهر بهن، فبالنسب يتعارفون ويتواصلون، وبالمصاهرة تكون المحبة والمودة، واجتماع الغريب بالقريب
[ وكان ربك قديرا ] أي مبالغا في القدرة حيث خلق من النطفة الواحدة ذكرا وأنثى.. ولما شرح دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرة المشركين في عبادة الأوثان فقال سبحانه :
[ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ] أي يعبدون الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، لأنها جمادات لا تحس ولا تبصر، ولا تعقل
[ وكان الكافر على ربه ظهيرا ] أي معينا للشيطان على معصية الرحمن، لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان، قال مجاهد : يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه
[ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ] أي مبشرا للمؤمنين بجنات النعيم ومنذرا للكافرين بعذاب الجحيم
[ قل ما أسألكم عليه من أجر ] أي قل لهم يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا
[ إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ] أي لكن من شاء أن يتخذ طريقا يقربه إلى الله، بالإيمان والعمل الصالح فليفعل، كأنه يقول : لا أسألكم مالا ولا أجرا، وانما أسألكم الإيمان بالله وطاعته وأجري على الله
[ وتوكل على الحي الذي لا يموت ] أي اعتمد في جميع أمورك على الواحد الأحد، الدائم الباقي الذي لا يموت أبدا، فإنه كافيك وناصرك ومظهر دينك على سائر الأديان
[ وسبح بحمده ] أي نزه الله تعالى عما يصفه هؤلاء الكفار مما لا يليق به من الشركاء والأولاد
[ وكفى به بذنوب عباده خببرا ] أي حسبك أن الله مطلع على أعمال العباد لا يخفى عليه شىء منها، قال الإمام الفخر : وهذه الكلمة يراد بها المبالغة كقولهم : كفى بالعلم جمالا، وكفى بالأدب مالا، وهي بمعنى حسبك أي لا تحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم، قادر على مجازاتهم، وذلك وعيد شديد
[ الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ] أي هذا الإله العظيم الذي ينبغي أن تتوكل عليه هو القادر على كل شىء، الذي خلق السموات السبع في إرتفاعها وإتساعها، والأرضين في كثافتها وإمتدادها في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، قال ابن جبير : الله قادر على أن يخلقها في لحظة، ولكن علم خلقه الرفق والتثبت
[ ثم استوى على العرش ] استواء يليق بجلاله، من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف، لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير