[ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ] الاضافة للتشريف أي العباد الذين يحبهم الله، الجديرون بالانتساب اليه، هم الذين يمشون على الأرض، في لين وسكينة ووقار، لا يضربون بأقدامهم أشرا ولا بطرا، ولا يتبخترون في مشيتهم
[ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ] أي وإذا خاطبهم السفهاء بغلظة وجفاء، قالوا قولا يسلمون فيه من الإثم، قال الحسن : لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم حلموا
[ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ] أي يحيون الليل بالصلاة، ساجدين لله على جباههم، أو قائمين على أقدامهم، كقوله تعالى :[ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ] قال الرازي : لما ذكر سيرتهم في النهار من وجهين : ترك الإيذاء، وتحمل الأذى، بين هنا سيرتهم في الليالي، وهو إشتغالهم بخدمة الخالق
[ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ] أي يدعون ربهم أن ينجيهم من عذاب النار، ويبتهلون إليه أن يدفع عنهم عذابها
[ إن عذابها كان غراما ] أي لازما دائما غير مفارق
[ إنها ساءت مستقرا ومقاما ] أي بئست جهنم منزلا ومكان إقامة، قال القرطبي : المعنى بئس المستقر وبئس المقام، فهم مع طاعتهم، مشفقون خائفون من عذاب الله، وقال الحسن : خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل، فرقا من عذاب جهنم
[ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ] هذا هو الوصف الخامس من أوصاف عباد الرحمن، والمعنى : ليسوا مبذرين في إنفاقهم في المطاعم والمشارب والملابس، ولا مقصرين ومضيقين بحيث يصبحون بخلاء
[ وكان بين ذلك قواما ] أي وكان إنفاقهم وسطا معتدلا، بين الإسراف والتقتير، كقوله تعالى :[ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ] الآية وقال مجاهد :" لو أنفقت مثل جبل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله ما كان سرفا، ولو أنفقت صاعا في معصية الله كان سرفا " (( وهذا على قول من فسر الإسراف بأنه الإنفاق فى معصية الله، وإليه ذهب بعض المفسرين وهو منقول عن ابن عباس أيضا والقول الاول أظهر، أن المراد بالإسراف : التبذير في إنفاق المال ))
[ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ] أي لا يعبدون معه تعالى إلها آخر، بل يوحدونه مخلصين له الدين
[ ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ] أي لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها، إلا بما يحق أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو القتل قصاصا
[ ولا يزنون ] أي لا يرتكبون جريمة الزنى التي هي من أفحش الجرائم
[ ومن يفعل ذلك يلق أثاما ] أي ومن يقترف تلك الموبقات العظيمة : من الشرك، والقتل، والزنى، يجد فى الآخرة النكال والعقوبة، ثم فسرها بقوله :
[ يضاعف له العذاب يوم القيامة ] أي يضاعف عقابه، ويغلظ بسبب الشرك وبسبب المعاصي
[ ويخلد فيه مهانا ] أي يخلد في ذلك العذاب، حقيرا ذليلا أبد الآبدين
[ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ] أي إلا من تاب في الدنيا التوبة النصوح، وأحسن عمله
[ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ] أي يكرمهم الله في الآخرة فيجعل مكان السيئات حسنات، وفي الحديث :" إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال : عملت يوم كذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا كذا وكذا فيقول : نعم، لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب : قد عملت أشياء لا أراها ههنا، قال : فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه "
[ وكان الله غفورا رحيما ] أي واسع المغفرة كثير الرحمة