[ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ] أي لو شئنا لأنزلنا آية من السماء، تضطرهم إلى الإيمان قهرا
[ فظلت أعناقهم لها خاضعين ] أي فتظل أعناقهم منقادة خاضعة للإيمان قسرا وقهرا، ولكن لا نفعل لأنا نريد أن يكون الإيمان، إختيارا لا اضطرارا، قال الصاوي ؟ المعنى لا تحزن على عدم إيمانهم، فلو شئنا إيمانهم لأنزلنا معجزة تأخذ بقلوبهم، فيؤمنون قهرا عليهم، ولكن سبق في علمنا شقاؤهم، فأرح نفسك من التعب
[ وما يأتيهم من ذكر من الرحمن ] أي ما يأتي هؤلاء الكفار شيء من القرآن أو الوحي منزل من عند الرحمن
[ محدث ] أي جديد في النزول، ينزل وقتا بعد وقت (( معنى " محدث " أي محدث في نزوله وإلا فكلام الله قديم لا يوصف بالحدوث كما لا يوصف بأنه مخلوق ))
[ إلا كانوا عنه معرضين ] أي إلا كذبوا به واستهزءوا ولم يتأملوا بما فيه من المواعظ والعبر
[ فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون ] أي فقد بلغوا النهاية في الإعراض والتكذيب، فسوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا واستهزءوا به، ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه، وجلالة قدره في مخلوقاته ومصنوعاته، الدالة على وحدانيته، وكمال قدرته فقال سبحانه :
[ أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ] أي أولم ينظروا إلى عجائب الأرض، كم أخرجنا فيها من كل صنف حسن محمود، كثير الخير والمنفعة ؟ والإستفهام للتوبيخ على تركهم الإعتبار
[ إن في ذلك لآية ] أي إن في ذلك الإنبات، لآية باهرة تدل على وحدانية الله وقدرته
[ وما كان أكثرهم مؤمنين ] أي وما كان أكثرهم يؤمن في علم الله تعالى، فمع ظهور الدلائل الساطعة، يستمر أكثرهم على كفرهم
[ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] أي هو سبحانه الغالب القاهر، القادر على الإنتقام ممن عصاه، الرحيم بخلقه حيث أمهلهم، ولم يعجل لهم العقوبة مع قدرته عليهم، قال أبو العالية : العزيز في نقمته ممن خالف أمره وعبد غيره، الرحيم بمن تاب إليه وأناب، وقال الفخر الرازي : إنما قدم ذكر [ العزيز ] على [ الرحيم ] لإنه ربما قيل : إنه رحمهم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر (العزيز) وهو الغالب القاهر، ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت مع القدرة الكاملة، كانت أعظم وقعا
[ وإذ نادى ربك موسى ] أي وإذكر يا محمد لأولئك المعرضين المكذبين من قومك، حين نادى ربك نبيه (موسى) من جانب الطور الأيمن، آمرا له أن يذهب إلى فرعون وملئه
[ أن ائت القوم الظالمين ] أي بأن ائت هؤلاء الظالمين، الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، واستعباد الضعفاء من بني إسرائيل
[ قوم فرعون ] أي هم قوم فرعون، وهو عطف بيان، كان القوم الظالمين وقوم فرعون شىء واحد
[ ألا يتقون ] ؟ أي ألا يخافون عقاب الله ؟ وفيه تعجيب من غلوهم في الظلم، وإفراطهم في العدوان
[ قال رب إني أخاف أن يكذبون ] أي قال موسى : يا رب إني أخاف أن يكذبوني في أمر الرسالة
[ ويضيق صدري ] أي ويضيق صدري من تكذيبهم إياي
[ ولا ينطلق لساني ] أي ولا ينطلق لساني بآداء الرسالة على الوجه الكامل
[ فأرسل إلى هارون ] أي فأرسل إلى هارون ليعينني على تبليغ رسالتك، قال المفسرون : التمس موسى العذر بطلب المعين بثلاثة أعذار، كل واحد منها مرتب على ما قبله وهي :(خوف التكذيب ) و(ضيق الصدر) و(عدم إنطلاق اللسان )، فالتكذيب سبب لضيق القلب، وضيق القلب سبب لتعسر الكلام، وبالأخص على من كان في لسانه حبسة كما في قوله :[ واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ] ثم زاد اعتذارا آخر بقوله :
[ ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ] أي ولفرعون وقومه علي دعوى ذنب، وهو إني قتلت منهم قبطيا فأخاف أن يقتلوني به