[ قال كلا ] أي قال الله تعالى له : كلا لن يقتلوك، وهو ردع وزجر عن هذا الظن، وأمر بالثقة بالله تعالى، أي ثق بالله وإنزجر عن خوفك منهم فإنهم لا يقدرون على قتلك
[ فإذهبا بآياتنا ] أي إذهب أنت وهارون بالبراهين والمعجزات الباهرة
[ إنا معكم مستمعون ] أي فأنا معكما بالعون والنصرة أسمع ما تقولان وما يجيبكما به، وصيغة الجمع " معكم " أريد به النية، فكأنهما شرفهما عند الله، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع، تشريفا لهما وتعظيما
[ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ] أي فأتيا فرعون الطاغية وقولا له : إنا مرسلان من عند رب العالمين إليك، لندعوك إلى الهدى
[ أن أرسل معنا بني إسرائيل ] أي أطلق بني إسرائيل من إسارك واستعبادك، وخل سبيلهم حتى يذهبوا معنا إلى الشام
[ قال ألم نربك فينا وليدا ] في الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره : فأتياه فبلغاه الرسالة، فقال فرعون لموسى عندئذ : ألم نربك في منازلنا صبيا صغيرا ؟ قصد فرعون بهذا الكلام المن على موسى والإحتقار له، كأنه يقول : ألست أنت الذي ربيناك صغيرا وأحسنا إليك، فمتى كان هذا الأمر الذي تدعيه ؟
[ ولبثت فينا من عمرك سنين ] أي ومكثت بين ظهرانينا سنين عديدة، نحسن إليك ونرعاك ؟ قال مقاتل : ثلاثين سنة
[ وفعلت فعلتك التي فعلت ] أي فجازيتنا على أن ربيناك، أن كفرت نعمتنا وقتلت منا نفسا ؟ والتعبير بالفعلة لتهويل الواقعة وتعظيم الأمر، ومراده قتل القبطى
[ وأنت من الكافرين ] أي وأنت من الجاحدين لإنعامنا، الكافرين بإحساننا، قال إبن عباس : من الكافرين لنعمتي إذ لم يكن فرعون يعلم ما الكفر (( وقال الحسن : يريد إنك من الكافرين بألوهيتي ورجح الطبري قول ابن عباس وهو الأظهر ))
[ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ] أي قال موسى : فعلت تلك الفعلة وأنا من المخطئين، لأنني لم أتعمد قتله ولكن أردت تأديبه، ولم يقصد عليه السلام الضلال عن الهدى " لأنه معصوم منذ الصغر " وقال ابن عباس :[ وأنا من الضالين ] أي الجاهلين
[ ففررت منكم لما خفتكم ] أي فهربت إلى أرض مدين حين خفت على نفسي أن تقتلوني وتؤاخذوني بما لا أستحقه
[ فوهب لي ربي حكما ] أي فأعطاني الله النبوة والحكمة
[ وجعلني من المرسلين ] أي واختارني رسولا إليك، فإن آمنت سلمت، وإن جحدت هلكت
[ وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ] أي كيف تمن على بإحسانك إلي وقد استعبدت قومي ؟ فما تعده نعمة ما هو إلا نقمة، قال ابن كثير : المعنى ما أحسنت إلي وربيتني، مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل، فجعلتهم عبيدا وخدما، فهل يفي إحسانك إلى رجل واحد منهم، بما أسأت إلى مجموعهم ؟ وقال الطبري : أي أتمن علي أن اتخذت بني إسرائيل عبيدا ؟
[ قال فرعون وما رب العالمين ] أي قال فرعون متعاليا متكبرا : من هو هذا الذي تزعم أنه رب العالمين ؟ هل هناك إله غيري ؟ لأنه كان يجحد الصانع ويقول لقومه :[ ما علمت لكم من إله غيرى ]
[ قال رب السموات والأرض وما بينهما ] أي قال موسى : هو خالق السموات والأرض، والمتصرف فيهما بالإحياء والإعدام، وهو الذي خلق الأشياء كلها، من بحار وقفار، وجبال وأشجار، ونبات وثمار، وغير ذلك من المخلوقات البديعة
[ إن كنتم موقنين ] أي إن كانت لكم قلوب موقنة، وأبصار نافذة، فهذا أمر ظاهر جلي
[ قال لمن حوله ألا تستمعون ] أي قال فرعون لمن حوله من أشراف قومه، على سبيل التهكم والإستهزاء : ألا تسمعون جوابه، وتعجبون من أمره ؟ إسأله عن حقيقة الله فيجيبني عن صفاته، فأجاب موسى وزاد في البيان والحجة


الصفحة التالية
Icon