[ يأتوك بكل سحار عليم ] أي يجيئوك بكل ساحر ماهر، عليم بضروب السحر، وكان هذا من تسخير الله تعالى ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة
[ فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ] أي فاجتمع السحرة للموعد المحدد، وهو وقت الضحى من (يوم الزينة) وهو الوقت الذي حدده موسى، ليظهر الحق ويزهق الباطل على رءووس الأشهاد، كما قال تعالى :[ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ]
[ وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ] أي قيل للناس : بادروا إلى الإجتماع لكي نتبع السحرة في دينهم إن غلبوا موسى
[ فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ] أى إن غلبنا بسحرنا موسى فهل تكرمنا بالمال والأجر الجزيل ؟
[ قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ] أي قال لهم فرعون : نعم أعطيكم ما تريدون، وأجعلكم من المقربين عندي، ومن خاصة جلسائي ! !
[ قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ] في الكلام إيجاز دل عليه السياق تقديره : فقالوا لموسى عند ذلك إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ؟ كما ذكر ذلك في الأعراف، فأجابهم موسى بقوله :[ ألقوا ما أنتم ملقون ] أي ابدءوا بإلقاء ما تريدون فأنا لا أخشاكم، قاله ثقة بنصرة الله له، وتوسلا لإظهار الحق
[ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ] أي فألقوا ما بأيديهم من الحبال والعصي، وقالوا عند الإلقاء : نقسم بعظمة فرعون وسلطانه، إنا نحن الغالبون لموسى
[ فألقى موسي عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ] أي فألقى موسى العصا، فإنقلبت حية عظيمة، فإذا هي تبتلع وتزدرد الحبال والعصي، التي اختلقوها بإسم السحر، حيث خيلوها للناس حيات تسعى، وسمي تلك الأشياء إفكا - أي كذبا - للمبالغة
[ فألقي السحرة ساجدين ] أي سجدوا لله رب العالمين، بعدما شاهدوا البرهان الساطع، والمعجزة الباهرة
[ قالوا آمنا برب العالمين رب موسي وهارون ] أي وقالوا عند سجودهم : آمنا وصدقنا بالله العزيز الكبير، الذي يدعونا إليه موسى وهارون، قال الطبري : لما تبين للسحرة، أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر، وإنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض، خروا لوجوههم سجدا لله، مذعنين له بالطاعة قائلين : آمنا برب العالمين الذي دعانا موسى لعبادته، دون فرعون وملئة
[ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ] أي قال فرعون للسحرة : آمنتم لموسى قبل أن تستأذنوني ؟
[ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ] أي إنه رئيسكم الذي تعلمتم منه السحر، وتواطأتم معه ليظهر أمره، أراد فرعون بهذا الكلام، التلبيس على قومه، لئلا يعتقدوا أن السحرة آمنوا عن بصيرة وظهور حق، قال ابن كثير : وهذه مكابرة يعلم كل أحد بطلانها، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا لا يقوله عاقل، ثم توعدهم بقوله :
[ فلسوف تعلمون ] أي سوف تعلمون عند عقابي، وبال ما صنعتم من الإيمان به
[ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ] أي لأقطعن يد كل واحد منكم (اليمنى) ورجله (اليسرى)
[ ولأصلبنكم أجمعين ] أي ولأصلبن كل واحد منكم على فرع شجرة وأتركه حتى الموت
[ قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ] أي لا ضرر علينا في وقوع ما أوعدتنا به، ولا نبالي به، لأننا نرجع إلى ربنا مؤملين غفرانه
[ إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا ] أي إنا نرجو أن يغفر لنا الله ذنوبنا التي سلفت منا قبل إيماننا به فلا يعاقبنا بها
[ إن كنا أول المؤمنين ] أي بسبب أن بادرنا قومنا إلى الإيمان، وكنا أول من آمن بموسى عن بصيرة ويقين.
البلاغة :
تضمنت الآيات وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :